الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٣٠
فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. فيقولوا هل نحن منظرون. أفبعذابنا يستعجلون.
أفرأيت إن متعناهم سنين. ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون.
وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين. وما تنزلت به الشياطين.
وما ينبغي لهم وما يستطيعون. إنهم عن السمع لمعزولون. فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين. وأنذر عشيرتك الأقربين.
____________________
سؤالهم النظرة، ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه: إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين، إنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسئ وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين فما هو أشد من مقتهم وهو مقت الله وترى ثم يقع في هذا الأسلوب فيحل موقعه (أفبعذابنا يستعجلون) تبكيت لهم بإنكار وتهكم. ومعناه: كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها. ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ يوبخون به عند اسنتظارهم يومئذ، ويستعجلون على هذا الوجه حكاية حال ماضية، ووجه آخر متصل بما بعده وذلك أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال تعالى - أفبعذابنا يستعجلون - أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل. ثم قال: هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طوال أعمارهم وطيب معايشهم. وعن ميمون بن مهران أنه لقى الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له عظني، فلم يزده على تلاوة هذه الآية، فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت. وقرئ يمتعون بالتخفيف (منذرون) رسل ينذرونهم (ذكرى) منصوبة بمعنى تذكرة، إما لأن أنذر وذكر متقاربان فكأنه قيل مذكرون تذكرة، وإما لأنها حال من الضمير في منذرون: أي ينذرونهم ذوي تذكرة، وإما لأنها مفعول له على معنى أنهم ينذرون لأجل الموعظة والتذكرة، أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية، أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وإطنابهم فيها، ووجه آخر وهو أن يكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولا له، والمعنى: وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم (وما كنا ظالمين) فنهلك قوما غير ظالمين وهذا الوجه عليه المعول.
فإن قلت: كيف عزلت الواو عن الجملة بعد إلا ولم تعزل عنها في قوله - وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم -؟
قلت: الأصل عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية، وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله - سبعة وثامنهم كلبهم - كانوا يقولون إن محمدا كاهن وما يتنزل عليه من جنس ما يتنزل به الشياطين على الكهنة،
(١٣٠)
مفاتيح البحث: حديث الدار (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»