فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين. كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم.
____________________
وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله. وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتب المنزلة قبله على أن البشارة بإنزاله وتحلية المنزل عليه وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه، وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا فلم يؤمنوا به وجحدوه وسموه شعرا تارة وسحرا أخرى وقالوا هو من تلفيق محمد وافترائه (ولو نزلناه على بعض) الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلا أن يقدر على نظم مثله (فقرأه عليهم) هكذا فصيحا معجزا متحدي به لكفروا به كما كفروا ولتمحلوا لجحودهم عذرا ولسموه سحرا، ثم قال (كذلك سلكناه) أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وهكذا مكناه وقررناه فيها، وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها، فكيفما فعل بهم وصنع على أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره كما قال - ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين - فإن قلت: كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته؟ قلت: أراد به الدلالة على تمكنه مكذبا في قلوبهم أشد التمكن وأثبته فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه وفطروا، ألا ترى إلى قولهم هو مجبول على الشح يريدون تمكن الشح فيه لأن الأمور الخلقية أثبت من العارضة، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه وهو قوله - لا يؤمنون به -. فإن قلت:
ما موقع (لا يؤمنون به) من قوله - سلكناه في قلوب المجرمين -؟ قلت: موقعه منه موقع الموضح والمخلص لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد، ويجوز أن يكون حالا: أي سلكناه فيها غير مؤمن به. وقرأ الحسن فتأتيهم بالتاء: يعنى الساعة، وبغتة بالتحريك، وفى حرف أبى ويروه بغتة، فإن قلت: ما معنى التعقيب في قوله - فيأتيهم بغتة فيقولوا -؟
قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وإنما المعنى ترتبها وفى الشدة كأنه قيل لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة فما هو أشد منه وهو
ما موقع (لا يؤمنون به) من قوله - سلكناه في قلوب المجرمين -؟ قلت: موقعه منه موقع الموضح والمخلص لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد، ويجوز أن يكون حالا: أي سلكناه فيها غير مؤمن به. وقرأ الحسن فتأتيهم بالتاء: يعنى الساعة، وبغتة بالتحريك، وفى حرف أبى ويروه بغتة، فإن قلت: ما معنى التعقيب في قوله - فيأتيهم بغتة فيقولوا -؟
قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وإنما المعنى ترتبها وفى الشدة كأنه قيل لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة فما هو أشد منه وهو