الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٢٨
على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين. وإنه لفى زبر الأولين.
____________________
بالتنزيل المنزل. والباء في نزل به الروح ونزل به الروح على القراءتين للتعدية، ومعنى نزل به الروح: جعل الله الروح نازلا به (على قلبك) أي حفظكه وفهمك إياه وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى كقوله تعالى - سنقرئك فلا تنسى - (بلسان عربي) إما أن يتعلق بالمنذرين فيكون المعنى لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة: هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وإما أن يتعلق بنزل فيكون المعنى: نزله باللسان العربي لتنذر به لأنه لو نزله باللسان الأعجمي لتجافوا عنه أصلا ولقالوا ما نصنع به لا نفهمه فيتعذر الإنذار به، وفى هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهمه قومك، ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات فإذا كلم بلغته التي لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن قلبه إلا إلى معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت، وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهرا بمعرفتها كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين (وإنه) وإن القرآن يعنى ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية. وقيل إن معانيه فيها، وبه يحتج لأبى حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية حيث قيل وإنه لفى زبر الأولين لكون معانيه فيها. وقيل الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك في أن يعلمه وليس بواضح. وقرئ يكن بالتذكير وآية بالنصب على أنها خبره وأن يعلمه هو الاسم، وقرئ تكن بالتأنيث وجعلت آية اسما وأن يعلمه خبرا وليست كالأولى لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا، وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك فقيل في تكن ضمير القصة وآية أن يعلمه جملة واقعة موقع الخبر، ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة الشأن وأن يعلمه بدلا عن آية، ويجوز مع نصب الآية تأنيث تكن كقوله تعالى - ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا - ومنه بيت لبيد:
فمضى وقدمها وكانت عادة * منه إذا هي عردت أقدامها وقرئ تعلمه بالتاء وعلماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام وغيره قال الله تعالى - وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله المسلمين - فإن قلت: كيف خط في المصحف علماء بواو قبل الألف؟ قلت: خط على لغة من يميل الألف إلى الواو وعلى هذه اللغة كتبت الصلاة والزكاة والربا. الأعجم: الذي لا يفصح وفى لسانه عجمة واستعجام، والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد. وقرأ الحسن الأعجميين، ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين، وقالوا لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها أعجم، قال حميد * ولا عربيا شاقه صوت أعجما * سلكناه: أدخلناه ومكناه، والمعنى أنا أنزلنا هذا القرآن على رجل بلسان عربي مبين، فسمعوا به وفهموه وعرفوا فصاحته
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»