الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٣٧
وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم. إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون. فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها،
____________________
لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم، فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله (لتلقى القرآن) لتؤتاه وتلقنه (من) عند أي حكيم وأي (عليم) وهذا معنى مجيئهما نكرتين: وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعضها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه (إذ) منصوب بمضمر وهو أذكر كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى ويجوز أن ينتصب بعليم. وروى أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته، وقد كنى الله عنها بالأهل فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع وهو قوله - امكثوا - الشهاب: الشعلة. والقبس: النار المقبوسة، وأضاف الشهاب إلى القبس لأنه يكون قبسا وغير قبس، ومن قرأ بالتنوين جعل القبس بدلا أو صفة لما فيه من معنى القبس. والخبر ما يخبر به عن حال الطريق لأنه كان قد ضله.
فإن قلت: سآتيكم منها بخبر ولعلى آتيكم منها بخبر كالمتدافعين، لأن أحدهما ترج والآخر تيقن. قلت: قد يقول الراجي إذا قوى رجاؤه سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة. فإن قلت: كيف جاء بسين التسويف؟ قلت:
عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة. فإن قلت: فلم جاء بأو دون الواو؟ قلت: بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما: إما هداية الطريق وإما اقتباس النار ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعا وهما العزان عز الدنيا وعز الآخرة (أن) هي المفسرة لأن النداء فيه معنى القول، والمعنى: قيل له بورك. فإن قلت: هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره نودي بأنه بورك والضمير ضمير الشأن؟ قلت: لا، لأنه لا بد من قد. فإن قلت: فعلى إضمارها. قلت: لا يصح لأنها علامة لا تحذف. ومعنى (بورك من في النار ومن حولها) بورك من في مكان النار ومن حول مكانها، ومكانها البقعة التي حصلت فيها وهى البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى - نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة - وتدل عليه قراءة أبى تباركت الأرض ومن حولها، وعنه بوركت النار والذي بوركت له البقعة وبورك من فيها وحواليها حدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه، ورب خير يتجدد في بعض البقاع فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ويبث آثار يمنه في أباعدها. فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة. وقيل المراد بالمبارك فيهم موسى والملائكة الحاضرون، والظاهر أنه عام في كل من كان في تلك الأرض وفى ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشأم، ولقد جعل الله أرض الشأم بالبركات موسومة في قوله - ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين - وحقت أن تكون كذلك فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ومهبط الوحي إليهم وكفاتهم أحياء وأمواتا
(١٣٧)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»