الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٧١
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين. ويا آدم
____________________
مالك وتنكح امرأتك، فعصاه فقاتل " (ثم لآتينهم) من الجهات الأربع التي يأتي منها العدو في الغالب، وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه كقوله - واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك - فإن قلت: كيف قيل (من بين أيديهم ومن خلفهم) بحرف الابتداء (وعن أيمانهم وعن شمائلهم) بحرف المجاوزة؟ قلت: المفعول فيه عدى إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون جلس عن يمينه وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله؟ قلنا: معنى عن يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره، كما ذكرناه في تعال ونحوه عن المفعول به قولهم رميت عن القوس وعلى القوس ومن القوس، لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ويبتدأ الرمي منها، وكذلك قالوا: جلس بين يديه وخلفه بمعنى فيه لأنهما ظرفان للفعل، ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل يقع في بعض الجهتين كما تقول:
جئته من الليل، تريد بعض الليل، وعن شقيق: ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربع مراصد بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، أما من بين يدي فيقول: لا تخف فإن الله غفور رحيم، فأقرأ - وإني لغفار لمن تاب آمن وعمل صالحا - وأما من خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي، فأقرأ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها - وأما من قبل يميني فيأتيني من قبل الثناء، فأقرأ - والعاقبة للمتقين - وأما من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ - وحيل بينهم وبين ما يشتهون - (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قاله تظنينا بدليل قوله - ولقد صدق عليهم إبليس ظنه - وقيل سمعه من الملائكة بإخبار الله تعالى لهم (مذءوما) من ذأمه إذا ذمه. وقرأ الزهري مذوما بالتخفيف مثل مسول في مسؤول. واللام في (لمن تبعك) موطئة للقسم و (لأملأن) جوابه وهو ساد مسد جواب الشرط (منكم) منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب كما في قوله - إنكم قوم تجهلون - وروى عصمة عن عاصم: لمن تبعك بكسر اللام بمعنى لمن تبعك منهم هذا الوعيد وهو قوله - لأملأن جهنم منكم أجمعين - على أن لأملأن في محل الابتداء ولمن تبعك خبره (ويا آدم) وقلنا يا آدم، وقرئ هذي الشجرة والأصل الياء والهاء بدل منها. ويقال وسوس إذا تكلم كلاما خفيا
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»