الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٦٨
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون، ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش، قليلا ما تشكرون. ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين
____________________
يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم وتشهد بها عليهم أيديهم وأرجلهم وجلودهم، وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد وكما تثبت في صحائفهم يقرأونها في موقف الحساب، وقيل هي عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل (فمن ثقلت موازينه) جمع ميزان أو موزون: أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر وهي الحسنات، أو ما توزن به حسناتهم. وعن الحسن وحق لميزان توضع فيه الحسنات أن يثقل وحق لميزان توضع فيه السيئات أن يخف (بآياتنا يظلمون) يكذبون به ظلما كقوله - فظلموا بها - (مكناكم في الأرض) جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا، أو ملكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها (وجعلنا لكم فيها معايش) جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرها أو ما يتوصل به إلى ذلك، والوجه تصريح الياء، وعن ابن عامر أنه همز على التشبيه بصحائف (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) يعني خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ثم صورناه بعد ذلك، ألا ترى إلى قوله (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) الآية (من الساجدين) ممن سجد لآدم (ألا تسجد) لا في أن لا تسجد صلة بدليل قوله - ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي - ومثلها لئلا يعلم أهل الكتاب - بمعنى ليعلم. فإن قلت: ما فائدة زيادتها؟ قلت: توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه كأنه قيل ليتحقق علم أهل الكتاب وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك (إذ أمرتك) لأن أمري لك بالسجود أوجبه عليك إيجابا وحتمه عليك حتما لا بد لك منه. فإن قلت: لم سأله عن المانع من السجود وقد علم ما منعه؟ قلت: للتوبيخ ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وازدرائه بأصل آدم، وأنه خالف أمر ربه معتقدا أنه غير واجب عليه لما رأى أن سجود الفاضل للمفضول خارج من الصواب. فإن قلت: كيف يكون قوله (أنا خير منه) جوابا لما منعك؟ وإنما الجواب أن يقول منعني كذا. قلت: قد استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل عن آدم وبعلة فضله عليه، وهو أن أصله من نار وأصل آدم من طين فعلم منه الجواب وزيادة عليه وهي إنكار للأمر واستبعاد أن يكون مثله مأمورا
(٦٨)
مفاتيح البحث: الخوف (1)، السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»