الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٦٦
لتنذر به وذكرى للمؤمنين. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء، قليلا ما تذكرون. وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا
____________________
الصدر حرجه كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه: أي لا تشك في أنه منزل من الله ولا تحرج من تبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم، فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم. فإن قلت: بم تعلق قوله (لتنذر)؟ قلت: بأنزل: أي أنزل إليك لإنذارك به، أو بالنهي لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار، لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه متكل على عصمته. فإن قلت: فما محل (ذكرى)؟ قلت: يحتمل الحركات الثلاث النصب بإضمار فعلها كأنه قيل لتنذر به وتذكر تذكيرا، لأن الذكرى اسم بمعنى التذكير، والرفع عطفا على كتاب أو أنه خبر مبتدأ محذوف، والجر للعطف على محل أن تنذر: أي للإنذار وللذكرى. فإن قلت: النهي في قوله فلا يكن متوجه إلى الحرج فما وجهه؟ قلت: هو من قولهم لا أرينك ههنا (اتبعوا ما أنزل إليكم) من القرآن والسنة (ولا تتبعوا من دونه) من دون الله (أولياء) أي ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين الله وما أنزل إليكم وأمركم باتباعه. وعن الحسن: يا ابن آدم أمرت باتباع كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، والله ما نزلت آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم نزلت وما معناها. وقرأ مالك بن دينار - ولا تبتغوا - من الابتغاء - ومن يبتغ غير الاسلام دينا - ويجوز أن يكون الضمير في من دونه لما أنزل على ولا تتبعوا من دون دين الله دين أولياء (قليلا ما تذكرون) حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره. وقرئ تذكرون بحذف التاء ويتذكرون بالياء وقليلا نصب بتذكرون: أي تذكرون تذكرا قليلا وما مزيدة لتوكيد القلة (فجاءها) فجاء أهلها (بياتا) مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين يقال بات بياتا حسنا وبيتة
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»