الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٦٩
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين.
قال أنظرني إلى يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين. قال فبما أغويتني
____________________
بالسجود لمثله كأنه يقول: من كان على هذه الصفة كان مستبعدا أن يؤمر بما أمر به (فاهبط منها) من السماء التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة إلى الأرض التي هي مقر العاصين المتكبرين من الثقلين (فما يكون لك) فما يصح لك (أن تتكبر فيها) وتعصي (فاخرج إنك من الصاغرين) من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك، كما تقول للرجل قم صاغرا إذا أهنته وفي ضده قم راشدا، وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار. وعن عمر رضي الله عنه: من تواضع لله رفع الله حكمته وقال انتعش نعشك الله، ومن تكبر وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض. فإن قلت: لم أجيب إلى استنظاره وإنما استنظر ليفسد عباده ويغويهم؟ قلت: لما في ذلك من ابتلاء العباد وفي مخالفته من أعظم الثواب، وحكمه حكم ما خلق في الدنيا من صنوف الزخارف وأنواع الملاذ والملاهي وما ركب في الأنفس من الشهوات ليمتحن بها عباده (فبما أغويتني) فبسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم، وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي ولم يثبت كما ثبتت الملائكة مع كونهم أفضل منه ومن آدم أنفسا ومناصب.
وعن الأصم أمرتني بالسجود فحملني الأنف على معصيتك. والمعنى: فبسبب وقوعي في الغي لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم. فإن قلت: بم تعلقت الباء فإن تعلقها بلأقعدن يصد عنه لام القسم، لا تقول والله بزيد لأمرن؟ قلت: تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره: فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدن:
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»