الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٦١
ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون.
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) .
____________________
أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عم، و (ما حرم) منصوب بفعل التلاوة: أي أتل الذي حرمه ربكم، أو يحرم بمعنى أقل: أي شئ حرم ربكم لأن التلاوة من القول وأن في (ألا تشركوا) مفسرة ولا للنهي. فإن قلت: هلا قلت هي التي تنصب الفعل وجعلت أن لا تشركوا بدلا من ما حرم. قلت: وجب أن يكون لا تشركوا ولا تقربوا ولا تقتلوا ولا تتبعوا السبل نواهي لانعطاف الأوامر عليها وهي قوله - وبالوالدين إحسانا - لأن التقدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانا وأوفوا، وإذا قلتم فاعدلوا وبعهد الله أوفوا. فإن قلت: فما تصنع بقوله - وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه - فمن قرأ بالفتح، وإنما يستقيم عطفه على أن لا تشركوا إذا جعلت أن هي الناصبة للفعل حتى يكون المعنى: أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد، واتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما. قلت: أجعل قوله - وأن هذا صراطي مستقيما - علة للإتباع بتقدير اللام كقوله تعالى - وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا - بمعنى:
ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، والدليل عليه القراءة بالكسر كأنه قيل: واتبعوا صراطي لأنه مستقيم، أو واتبعوا صراطي أنه مستقيم. فإن قلت: إذا جعلت أن مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بما حرم ربكم وجب أن يكون ما بعده منهيا عنه محرما كله كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي فما تصنع بالأوامر؟ قلت: لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدمهن جميعا فعل التحريم واشتركن في الدخول تحت حكمه علم أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله (من إملاق) من أجل فقر ومن خشيته كقوله تعالى - خشية إملاق - (ما ظهر منها وما بطن) مثل قوله - ظاهر الإثم وباطنه - (إلا بالحق) كالقصاص والقتل على الردة والرجم (إلا بالتي هي أحسن) إلا بالخصلة التي هي أحسن ما يفعل بمال اليتيم وهي حفظه وتثميره. والمعنى: احفظوه عليه حتى يبلغ أشده فادفعوا إليه (بالقسط) بالسوية والعدل (لا نكلف نفسا إلا وسعها) إلا ما يسعها ولا تعجز عنه وإنما أتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان، ذلك لأن مراعاة الحد من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما يجري فيه الحرج، فأمر ببلوغ الوسع وأن ما وراءه معفو عنه (ولو كان ذا قربى) ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل فما ينبغي أن يزيد في القول أو ينقص كقوله - ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين -. وقرئ - وأن هذا صراطي مستقيما - بتخفيف
(٦١)
مفاتيح البحث: اليتم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»