الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٩
لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون. قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين. قل هلم شهداءكم
____________________
إخبار بما سوف يقولونه ولما قالوه، قال - وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ - يعنون بكفرهم وتمردهم أن شركهم شرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله وإرادته ولولا مشيئته لم يكن شئ من ذلك كمذهب المجبرة بعينه (كذلك كذب الذين من قبلهم) أي جاءوا بالتكذيب المطلق لأن الله عز وجل ركب في العقول وأنزل في الكتاب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها والرسل أخبروا بذلك فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله، وهو تكذيب الله وكتبه ورسله، ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره (حتى ذاقوا بأسنا) حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم (قل هل عندكم من علم) من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم (فتخرجوه لنا) وهذا من التهكم والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة (إن تتبعون إلا الظن) في قولكم هذا (وإن أنتم إلا تخرصون) تقدرون أن الامر كما تزعمون أو تكذبون. وقرئ - كذلك كذب الذين من قبلهم - بالتخفيف (قل فلله الحجة البالغة) يعني فإن كان الامر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة البالغة عليكم على قود مذهبكم (فلو شاء لهداكم أجمعين) منكم ومن مخالفيكم في الدين، فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته، فتوالوهم ولا تعادوهم وتوافقوهم ولا تخالفوهم، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه (هلم) يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين وبنو تميم تؤنث وتجمع. والمعنى: هاتوا شهداءكم وقربوهم. فإن قلت: كيف أمره باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما ثم أمره بأن لا يشهد معهم؟ قلت: أمره باستحضارهم وهم شهداء بالباطل ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شئ لتساوى
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»