الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٦٢
وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون.
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شئ وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون. وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون. أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين. أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم
____________________
أن وأصله: وأنه هذا صراطي على أن الهاء ضمير الشأن والحديث، وقرأ الأعمش:
وهذا صراطي. وفي مصحف عبد الله: وهذا صراط ربكم، وفي مصحف أبي: وهذا صراط ربك (ولا تتبعوا السبل) الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات (فتفرق بكم) فتفرقكم أيادي سبا (عن سبيله) عن صراط الله المستقيم وهو دين الاسلام. وقرئ فتفرق بإدغام التاء، وروى أبو وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خط خطا ثم قال: هذا سبيل الرشد، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا هذه الآية - وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه - " وعن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شئ من جميع الكتب، وقيل إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار. وعن كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شئ في التوراة.
فإن قلت: علام عطف قوله ثم آتينا موسى الكتاب؟ قلت: على وصاكم به. فإن قلت: كيف صح عطفه عليه بثم والإيتاء قبل التوصية بدهر طويل؟ قلت: هذه التوصية قديمة لم تزل توصاها كل أمة على لسان نبيهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما محكمات لم ينسخهن شئ من جميع الكتب، فكأنه قيل: ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا (ثم) أعظم من ذلك أنا (آتينا موسى الكتاب) وأنزلنا هذا الكتاب المبارك، وقيل هو معطوف على ما تقدم قبل شطر السورة من قوله تعالى - ووهبنا له إسحاق ويعقوب - (تماما على الذي أحسن) تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن: على من كان محسنا صالحا يريد جنس المحسنين، وتدل عليه قراءة عبد الله على الذين أحسنوا أو أراد به أحسن موسى عليه السلام: أي تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل ما أمر به أو تماما على الذي أحسن موسى من العلم والشرائع، من أحسن الشئ: إذا أجاد معرفته: أي زيادة على علمه على وجه التتميم. وقرأ يحيى بن يعمر على الذي أحسن بالرفع: أي على الذي هو أحسن بحذف المبتدأ كقراءة من قرأ - مثلا ما بعوضة - بالرفع: أي على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه، أو آتينا موسى الكتاب تماما: أي تاما كاملا على أحسن ما تكون عليه الكتب: أي على الوجه والطريق الذي هو أحسن، وهو معنى قول الكلبي:
أتم له الكتاب على أحسنه (أن تقولوا) كراهة أن تقولوا (على طائفتين) يريدون أهل التوراة وأهل الإنجيل (وإن كنا) هي أن المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والأصل وإن كنا عن دراستهم غافلين على أن الهاء ضمير الشأن (عن دراستهم) عن قراءتهم: أي لم نعرف مثل دراستهم (لكنا أهدى منهم) لحدة أذهاننا وثقابة
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»