الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٦٥
قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين.
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين. لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق
____________________
نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسئلون غذا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم وترتبوا في مراتبكم حتى يسألكم عبيدكم وحشمكم ومن تملكون أمره وينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وبماذا ترسمون وكيف نأتى ونذر كعادة المنعمين المخدمين؟ أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب ويستشيرونكم في المهمات والعوارض ويستشفون بتدابيركم ويستضيئون بآرائكم، أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحائب أكفكم ويمترون أخلاف معروفكم وأياديكم، إما لأنهم كانوا أسخيا ينفقون أموالهم رثاء الناس وطلب الثناء، أو كانوا بخلاء فقيل لهم ذلك تهكما إلى تهكم وتوبيخا إلى توبيخ (تلك) إشارة إلى - يا ويلنا - لأنها دعوى كأنه قيل فما زالت تلك الدعوى (دعواهم) والدعوى بمعنى الدعوة، قال تعالى - وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين - فإن قلت: لم سميت دعوى؟
قلت: لأن المولول كأنه يدعو الويل فيقول تعال يا ويل فهذا وقتك، وتلك مرفوع أو منصوب اسما أو خبرا وكذلك دعواهم. الحصيد: الزرع المحصود: أي جعلناهم مثل الحصيد شبههم به في استئصالهم واصطلامهم كما تقول جعلناهم رمادا: أي مثل الرماد، والضمير المنصوب هو الذي كان مبتدأ والمنصوبان بعده كانا خبرين له، فلما دخل عليها جعل نصبها جميعا على المفعولية. فإن قلت: كيف ينصب جعل ثلاثة مفاعيل؟ قلت: حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد، لأن معنى قولك جعلته حلوا حامضا جعلته جامعا للطعمين، وكذلك معنى ذلك جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والحمود: أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق مشحونة بضروب البدائع والعجائب كما تسوى الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم للهو واللعب، وإنما سويناها للفوائد الدينية والحكم الربانية لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعد والمرافق التي لا تحصى. ثم بين أن السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالي هو أن الحكمة صارفة عنه، وإلا فأنا قادر على اتخاذه إن كنت فاعلا لأنى على كل شئ قدير. وقوله (لاتخذناه من لدنا) كقوله - رزقا من لدنا - أي من جهة قدرتنا. وقيل اللهو: الولد بلغة اليمن، وقيل المرأة.
وقيل من لدنا: أي من الملائكة لا من الإنس رد الولادة المسيح وعزير (بل) إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته كأنه قال: سبحاننا أن نتخذ اللهو واللعب بل من عادتنا وموجب حكمتنا واستغنائنا عن القبيح أن نغلب اللهو بالجد وندحض الباطل بالحق، واستعار لذلك القذف والدمغ تصويرا لإبطاله وإهداره ومحقه،
(٥٦٥)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 ... » »»