وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين. فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون. قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
____________________
هذا الذي جئتنا به أهو جد وحق أم لعب وهزل؟ الضمير في (فطرهن) للسموات والأرض أو للتماثيل، وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم وأثبت للاحتجاج عليهم. وشهادته على ذلك إدلاؤه بالحجة عليه وتصحيحه بها كما تصح الدعوى بالشهادة كأنه قال: وأنا أبين ذلك وأبرهن عليه كما تبين الدعاوي بالبينات لأنى لست مثلكم فأقول مالا أقدر على إثباته بالحجة كما لم تقدروا على الاحتجاج لمذهبكم ولم تزيدوا على أنكم وجدتم عليه آباءكم. قرأ معاذ بن جبل بالله. وقرئ تولوا بمعنى تتولوا ويقويها قوله - فتولوا عنه مدبرين - فإن قلت: ما الفرق بين الباء والتاء؟ قلت: إن الباء هي الأصل والتاء بدل من الواو المبدلة منها، وأن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه، لأن ذلك كان أمرا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره، ولعمرى إن مثله صعب متعذر في كل زمان خصوصا في زمن نمروذ مع عتوه واستكباره وقوة سلطانه وتهالكه على نصرة دينه، ولكن * إذا الله سنى عقد شئ تيسرا * روى أن آزر خرج به في يوم عيد لهم فبدءوا ببيت الأصنام فدخلوه وسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما خرجوا به معهم وقالوا إلى أن نرجع بركت الآلهة على طعامنا فذهبوا، وبقى إبراهيم فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنما مصطفة وثم صنم عظيم مستقبل الباب وكان من ذهب وفى عينيه جوهرتان تضيئان بالليل، فكسرها كلها بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلا الكبير علق الفأس في عنقه. عن قتادة قال ذلك سرا من قومه. وروى سمعه رجل واحد (جذاذا) قطاعا من الجذ وهو القطع. وقرئ بالكسر والفتح، وقرئ جذاذا قومه. وروى سمعه رجل واحد (جذاذا) قطاعا من الجذ وهو القطع. وقرئ بالكسر والفتح، وقرئ جذاذا جمع جذيذ وجذذا جمع جذة. وإنما استبقى الكبير لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم فيبكتهم بما أجاب به من قوله - بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه - وعن الكلبي (إليه) إلى كبيرهم ومعنى هذا لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون له ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحا والفأس على عاتفك، قال هذا بناء على ظنه بهم لما جزب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها، أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاءا بهم واستجهالا، وأن قياس حال من يسجد له ويؤهله للعبادة أن يرجع إليه في حل كل مشكل. فإن قلت: فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم صلوات الله عليه غرضا؟ قلت: إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر وظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم: أي إن من فعل هذا الكسر والحطم لشديد الظلم معدود في الظلمة، إما لجرأته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والإعظام، وإما لأنهم رأوا إفراطا في حطمها وتماديا في الاستهانة بها. فإن قلت: ما حكم الفعلين بعد (سمعنا فتى) وأي فرق بينهما؟ قلت: هما صفتان لفتى إلا أن الأول وهو (يذكرهم) لابد منه لسمع لأنك لا تقول سمعت زيدا وتسكت حتى تذكر شيئا مما يسمع، وأما الثاني فليس كذلك. فإن قلت: (إبراهيم) ما هو؟ قلت: قيل هو خبر مبتدأ محذوف أو منادى والصحيح أنه