الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٦٩
هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون. وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون. وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون.
____________________
ذلك إما من جهة العقل وإما من جهة الوحي، فإنكم لا تجدون كتابا من كتب الأولين إلا وتوحيد الله وتنزيهه عن الأنداد مدعو إليه والإشراك به منهى عنه متوعد عليه أي (هذا) الوحي الوارد في معنى توحيد الله ونفى الشركاء عنه كما ورد على فقد ورد على جميع الأنبياء، فهو ذكر: أي عظة للذين معي: يعنى أمته، وذكر للذين من قبلي: يريد أمم الأنبياء عليهم السلام. وقرئ (ذكر من معي وذكر من قبلي) بالتنوين، ومن مفعول منصوب بالذكر كقوله - أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما - وهو الأصل والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله - غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون - وقرئ من معي ومن قبلي على من الإضافية في هذه القراءة وإدخال الجار على مع غريب، والعذر فيه أنه اسم هو ظرف نحو قبل وبعد وعند ولدن وما أشبه ذلك، فدخل عليه من كما يدخل على أخواته. وقرئ ذكر معي وذكر قبلي. كأنه قيل: بل عندهم ما هو أصل الشر والفساد كله وهو الجهل وفقد العلم وعدم التمييز بين الحق والباطل، فمن ثم جاء هذا الإعراض ومن هناك ورد هذا الإنكار. وقرئ (الحق) بالرفع على توسيط التوكيد بين السبب والمسبب، والمعنى: أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل. ويجوز أن يكون المنصوب أيضا على هذا المعنى كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل (يوحى) ونوحى مشهورتان، وهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد. نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله. نزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد والعبودية تنافى الولادة إلا أنهم (مكرمون) مقربون عندي مفضلون على سائر العباد لما هم عليه من أفعال وصفات ليست لغيرهم، فذلك هو الذي غر منهم من زعم أنهم أولادي تعاليت عن ذلك علوا كبيرا. وقرئ مكرمون و (لا يسبقونه) بالضم من سابقته فسبقته أسبقه، والمعنى:
أنهم يتبعون قوله ولا يقولون شيئا حتى يقوله فلا يسبق قولهم قوله، والمراد بقولهم فأنيب اللام مناب الإضافة أي لا يتقدمون قوله بقولهم كما تقول سبقت بفرسي فرسه. وكما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا كذلك مبنى على أمره لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به، وجميع ما يأتون ويذرون مما قدموا وأخروا بعين الله وهو مجازيهم عليه فلإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراعون أحوالهم ويعمرون أوقاتهم، ومن تحفظهم أنهم لا يجسرون أن يشفعوا إلا لمن ارتضاه الله وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم، ثم إنهم مع هذا كله من خشية الله (مشفقون) أي
(٥٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 ... » »»