الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٦٧
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون.
____________________
هذه الدعوى وذلك أنهم كانوا مع إقرارهم لله عز وجل بأنه خالق السماوات والأرض - ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله - وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى منكرين البعث ويقولون - من يحيى العظام وهى رميم - وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم، فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأسا؟ قلت: الأمر كما ذكرت ولكنهم بادعائهم لها الإلهية يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإنشار من جملة المقدورات، وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة، ونحو قوله - من الأرض - قولك فلان من مكة أو من المدينة تريد مكي أو مدني ومعنى نسبتها إلى الأرض الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض، لأن الآلهة على ضربن أرضية وسماوية، ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين ربك؟ فأشارت إلى السماء، فقال: إنها مؤمنة " لأنه فهم منها أن مرادها نفى الآلهة الأرضية التي هي الأصنام لا إثبات السماء مكانا لله عز وجل. ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض. فإن قلت: لابد من نكتة في قوله هم. قلت: النكتة فيه إفادة معنى الخصوصية كأنه قيل: أم اتخذوا آلهة لا يقدر على الإنشار إلا هم وحدهم. وقرأ الحسن ينشرون، وهما لغتان أنشر الله الموتى ونشرها. وصفت آلهة بإلا كما توصف بغير لو قيل آلهة غير الله. فإن قلت: ما منعك من الرفع على البدل؟ قلت: لأن لو بمنزلة إن في أن الكلام معه موجب والبدل
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»