الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٦٣
قال ربى يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم. بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون. ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون. وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وما جعلناهم جسدا
____________________
أنهم أسروا النجوى فكأنه أراد أن يقول: إن ربى يعلم ما أسروه، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة، وثم قصد وصف ذاته بأن أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض فهو كقوله - علام الغيوب - عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة - وقرئ (قال ربى) حكاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم. أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر، وهكذا الباطل لجلج والمبطل متحير رجاع غير ثابت على قول واحد. ويجوز أن يكون تنزيلا من الله تعالى لأقوالهم في درج الفساد، وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني، وكذلك الرابع من الثالث. صحة التشبيه في قوله (كما أرسل الأولون) من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات. ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول: أرسل محمد صلى الله عليه وسلم وبين قولك: أتى محمد بالمعجزة أفهم يؤمنون، فيه أنهم أعتى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فأهلكهم الله، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أنكث وأنكث. أمرهم أن يستعلموا أهل الذكر وهم أهل الكتاب
(٥٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 ... » »»