الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٧٠
ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين. أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون. وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون.
____________________
متوقعون من أمارة ضعيفة كائنون على حذر ورقبة لا يأمنون مكر الله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية الله ". وبعد أن وصف كرامتهم عليه وقرب منزلتهم عنده وأثنى عليهم وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية والأعمال المرضية، فاجأ بالوعيد الشديد وأنذر بعذاب جهنم من أشرك منهم إن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل مع إحاطة علمه بأنه لا يكون كما قال - ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون - قصد بذلك تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد. قرئ (ألم ير) بغير واو، و (رتقا) بفتح التاء وكلاهما في معنى المفعول كالخلق والنفض: أي كانتا مرتوقتين. فإن قلت: الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر فما بال الرتق؟ قلت: هو على تقدير موصوف: أي كانتا شيئا رتقا، ومعنى ذلك أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما، أو كانت السماوات متلاصقات وكذلك الأرضون لا فرج بينهما ففتقها الله وفرج بينها، وقيل ففتقناهما بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل كانتا دون كن لأن المراد جماعة السماوات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم لقاحان سوداوان: أي جماعتان فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر.
فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه فقام مقام المرئي المشاهد، والثاني أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل، فلا بد للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه (وجعلنا) لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين، فإن تعدى إلى واحد فالمعنى: خلقنا من الماء كل حيوان كقوله - والله خلق كل دابة من ماء - أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله تعالى - خلق الإنسان من عجل - وإن تعدى إلى اثنين، فالمعنى: صيرنا كل شئ حي بسبب من الماء لابد له منه، ومن هذا نحو من في قوله عليه الصلاة والسلام " ما أنا من دد ولا الدد منى " وقرئ حيا وهو المفعول الثاني والظرف لغو: أي كراهة (أي تميد بهم) وتضطرب أو لئلا تميد بهم فحذف لا واللام، وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في نحو قوله - لئلا يعلم - وهذا مذهب الكوفيين. الفج: الطريق الواسع. فإن قلت: في الفجاج معنى الوصف فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى - لتسلكوا منها سبلا فجاجا -؟ قلت: لم تقدم وهى صفة ولكن جعلت حالا كقوله:
(٥٧٠)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 ... » »»