الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٣
لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذين لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى. فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى
____________________
في جميع أهل الوبر والمدر (لا تفتروا على الله كذبا) أي لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا. قرئ (فيسحتكم) والسحت لغة أهل الحجاز والإسحات لغة أهل نجد وبنى تميم ومنه قول الفرزدق: إلا مسحتا أو مجلف. في بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. عن ابن عباس: أن نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه. وعن قتادة: إن كان ساحرا فسنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر، وعن وهب لما قال ويلكم الآية قالوا: ما هذا بقول ساحر، والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول ثم قالوا: إن هذان لساحران، فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفا من غلبتهما أو تثبيطا للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران) على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص إن هذان لساحران على قولك إن زيد لمنطلق، واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة. وقرأ أبى إن ذان إلا ساحران. وقرأ ابن مسعود أن هذان ساحران بفتح أن وبغير لام بدل من النجوى. وقيل في القراءة المشهورة إن هذان لساحران هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف كعصا وسعدي فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: إن بمعنى نعم، وساحران خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره لهما ساحران، وقد أعجب به أبو إسحاق. سموا مذهبهم الطريقة (المثلى) والسنة الفضلي - وكل حزب بما لديهم فرحون. وقيل أرادوا أهل طريقتهم المثلى وهم بنو إسرائيل لقول موسى - فأرسل معنا بني إسرائيل - وقيل الطريقة اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم، يقال هم طريقة قومهم ويقال للواحد أيضا هو طريقة قومه (فأجمعوا كيدكم) يعضده قوله - فجمع كيده - وقرئ فاجمعوا كيدكم: أي أزمعوه واجعلوه مجمعا عليه حتى لا تختلفوا ولا يخلف عنه واحد منكم كالمسألة المجمع عليها، أمروا بأن يأتوا صفا لأنه أهيب في صدور الرائين. روى أنهم كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم حبل وعصا وقد أقبلوا إقبالة واحدة. وعن أبي عبيدة أنه فسر الصف بالمصلى لأن الناس يجتمعون فيه لعيدهم وصلاتهم مصطفين.
ووجه صحته أن يقع علما لمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه، أو يراد ائتوا مصلى من المصليات (وقد أفلح اليوم من استعلى) اعتراض: يعنى وقد فاز من غلب. أن مع ما بعده إما منصوب بفعل مضمر أو مرفوع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه: اختر أحد الأمرين أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا، وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وتواضع له وخفض جناح وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم، وكأن الله عز وعلا ألهمهم ذلك، وعلم موسى صلوات الله عليه اختيار إلقائهم أولا مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويستنفدوا أقصى طوقهم ومجهودهم، فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين. يقال في إذا هذه إذا المفاجأة، والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها، وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها
(٥٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 ... » »»