الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٣٤
أخرى. لنريك من آياتنا الكبرى. اذهب إلى فرعون إنه طغى.
____________________
فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وغيرها، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل، وإذا قصر رشاؤه وصله بها، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه. وقيل كان فيها من المعجزات أنه كان يستقى بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا، وتكونان شمعتين بالليل، وإذا ظهر عدو حاربت عنه، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه، ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب، وكانت تقيه الهوام. السعي: المشي بسرعة وخفة وحركة. فإن قلت: كيف ذكرت بألفاظ مخلتفة بالحية والجان والثعبان؟ قلت: أما الحية فاسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير، وأما الثعبان والجان فبينهما تناف لأن الثعبان العظيم من الحيات والجان الدقيق، وفى ذلك وجهان: أحدهما أنها كانت وقت انقلابها حية تنقلب حية صفراء دقيقة ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى تصير ثعبانا، فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها. والثاني أنها كانت في الشخص الثعبان وسرعة حركة الجان والدليل عليه قوله تعالى - فلما رآها تهتز كأنها جان - وقيل كان لها عرف كعرف الفرس، وقيل كان بين لحييها أربعون ذراعا. لما رأى ذلك الأمر العجيب الهائل ملكه من الفزع والنفار ما يملك البشر عند الأهوال والمخاوف، وعن ابن عباس: انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر، فما رآه يبتلع كل شئ خاف ونفر. وعن بعضهم: إنما خافها لأنه عرف ما لقى آدم منها. وقيل لما قال ربه لا تخف بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها.
السيرة من السير كالركبة من الركوب، يقال سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة.
وقيل سير الأولين فيجوز أن ينتصب على الظرف: أي سنعيدها في طريقتها الأولى: أي في حال ما كانت عصا وأن يكون أعاد منقولا من عاده بمعنى عاد إليه، ومنه بيت زهير * وعادك أن تلاقيها عداء * فيتعدى إلى مفعولين. ووجه ثالث حسن وهو أن يكون سنعيدها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها، بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية فسنعيدها بعد ذهابها كما أنشأناها أولا، ونصب سيرتها بفعل مضمر أي تسير سيرتها الأولى: يعنى سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها.
قيل لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر لمجنبتيه وجناحا الإنسان جنباه، والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما عند الطيران، والمراد إلى جنبك تحت العضد دل على ذلك قوله تخرج، السوء: الرداءة والقبح في كل شئ، فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة، وكان جذيمة صاحب الزباء أبرص فكنوا عنه بالأبرش والبرص أبغض شئ إلى العرب وبهم عنه نفرة عظيمة أسماعهم لا سمه مجاجة، فكان جديرا بأن يكنى عنه، ولا نرى أحسن ولا ألطف ولا أحر للمفاصل من كنايات القرآن وآدابه. يروى أنه كان آدم فأخرج يده من مدرعته بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يعشى البصر. بيضاء وآية حالان معا، ومن غير سوء من صلة البيضاء كما تقول ابيضت من غير سوء. وفى نصب آية وجه آخر وهو أن يكون بإضمار نحو خذو دونك وما أشبه ذلك حذف لدلالة الكلام، وقد تعلق بهذا المحذوف (لنريك) أي خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى، أو لنريك بهما الكبرى من آياتنا، أو لنريك من آيتنا الكبرى فعلنا
(٥٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 ... » »»