كي نسبحك كثيرا. ونذكرك كثيرا.
____________________
ذلك. لما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي لعنه الله عرف أنه كلف أمرا عظيما وخطبا جسيما يحتاج معه إلى احتمال مالا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح، فاستوهب ربه أن يشرح صدره ويفسح قلبه ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب. فإن قلت: لي في قوله (اشرح لي صدري ويسر لي أمري) ما جدواه والكلام بدونه مستتب؟ قلت: قد أبهم الكلام أولا فقيل اشرح لي ويسر لي، فعلم أن ثم مشروحا وميسرا، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره وأمره من أن يقول اشرح صدري ويسر أمري على الإيضاح الساذج لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل. عن ابن عباس: كان في لسانه رتة لما روى من حديث الجمرة. ويروى أن يده احترقت وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ، ولما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعضهم: إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قصعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المواكلة. واختلف في زوال العقدة بكمالها فقيل ذهب بعضها وبقى بعضها لقوله تعالى - وأخي هارون هو أفصح منى لسانا - وقوله تعالى - ولا يكاد يبين - وكان في لسان الحسين بن علي رضي الله عنهما رتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ورثها من عمه موسى " وقيل زالت بكمالها لقوله تعالى - قد أوتيت سؤلك يا موسى - وفى تنكير العقدة وإن لم يقل عقدة لساني أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهما جيدا ولم يطلب الفصاحة الكاملة، و (من لساني) صفة للعقدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني. الوزير من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه، أو من الوزر لأن الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره، أو من المؤازرة وهى المعاونة. عن الأصمعي قال: وكان القياس أزيرا فقلبت الهمزة إلى الواو، ووجه قلبها أن فعيلا جاء في معنى مفاعل مجيئا صالحا كقولهم عشير وجليس وقعيد وخليل وصديق ونديم، فلما قلبت في أخيه قلبت فيه، وحمل الشئ على نظيره ليس بعزيز ونظرا إلى يوازر وإخوته وإلى الموازرة. وزيرا وهرون مفعولا قوله اجعل قدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة أولى وزيرا مفعولاه وهرون عطف بيان للوزير، و (أخي) في الوجهين بدل من هارون وإن جعل عطف بيان آخر جاز وحسن. قرأوا جميعا اشدد وأشركه على الدعاء، وابن عامر وحده أشدد وأشركه على الجواب،