الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٣٠
على العرش استوى. له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى. الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.
وهل أتاك حديث موسى.
____________________
وإما أن يكون مبتدأ مشارا بلامه إلى من خلق. فإن قلت: الجملة التي هي (على العرش استوى) ما محلها إذا جررت الرحمن أو رفعته على المدح؟ قلت: إذا جررت فهي خبر مبتدأ محذوف لا غير، وإن رفعت جاز أن تكون كذلك وأن تكون مع الرحمن خبرين للمبتدأ. لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير ألبتة، وقالوه أيضا لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤداه وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر، ونحوه قولك يد فلان مبسوطة ويد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواد أو بخيل لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت: حتى إن من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يدر أسا قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم هو جواد، ومنه قول الله عز وجل - وقالت اليهود يد الله مغلولة - أي هو بخيل - بل يداه مبسوطتان - أي هو جواد من غير تصور يد ولا غل ولا بسط والتفسير بالنعمة والتمحل للتثنية من ضيق الطعن والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام (وما تحت الثرى) تحت سبع الأرضين. عن محمد بن كعب. وعن السدى هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة: أي يعلم ما أسررته إلى غيرك وأخفى من ذلك، وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك (وأخفى) منه وهو ما ستسره فيها. وعن بعضهم: أن أخفى فعل: يعنى أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه هو كقوله تعالى - يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما - وليس بذاك. فإن قلت: كيف طابق الجزاء الشرط؟ قلت: معناه وإن تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فاعلم أنه غنى عن جهرك، فإما أن يكون نهيا عن الجهر كقوله تعالى - واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول - وإما تعليما للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله وإنما هو لغرض آخر (الحسنى) تأنيث الأحسن وصفت بها الأسماء لأن حكمها حكم المؤنث كقولك الجماعة الحسنى ومثلها - مآرب أخرى - و- من آياتنا الكبرى - والذي فضلت به أسماؤه في الحسن سائر الأسماء دلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والأفعال التي هي النهاية في الحسن. قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء
(٥٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 ... » »»