الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٢
بظلم وأهلها غافلون. ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون. وربك الغني ذو الرحمة، إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين. إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون.
وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله
____________________
معنى لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ولك أن تجعله بدلا من ذلك كقوله - وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع - (بظلم) بسبب ظلم قدموا عليه أو ظالما، على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينبهوا برسول وكتاب لكان ظلما وهو متعال عن الظلم وعن كل قبيح (ولكل) من المكلفين (درجات) منازل (مما عملوا) من جزاء أعمالهم (وما ربك بغافل عما يعملون) بساه عنه يخفى عليه مقاديره وأحواله وما يستحق عليه من الأجر (وربك الغني) عن عباده وعن عبادتهم (ذو الرحمة) يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة (إن يشأ يذهبكم) أيها العصاة (ويستخلف من بعدكم ما يشاء) من الخلق المطيع (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام. المكانة تكون مصدرا، يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن، وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة، وقوله (اعملوا على مكانتكم) يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها يقال لرجل إذا أمر أن يثبت على حاله على مكانتك يا فلان أي أثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه (إني عامل) أي عامل على مكانتي التي أنا عليها. والمعنى: أثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الاسلام وعلى مصابرتكم (فسوف تعلمون) أينا تكون له العاقبة المحمودة وطريقة هذا الامر طريقة قوله - اعملوا ما شئتم - وهي التخلية والتسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر فكأنه مأمور به، وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه. فإن قلت: ما موضع (من)؟ قلت: الرفع إذا كان بمعنى أي وعلق عنه فعل العلم أو النصب إذا كان بمعنى الذي، و (عاقبة الدار) العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها، وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك فيه إنصاف في المقال وأدب حسن مع تضمن شدة الوعيد والوثوق بأن المنذر محق والمنذر مبطل.
كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله وأشياء منهما لآلهتهم، فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكيا ناميا يزيد في نفسه خيرا رجعوا فجعلوه للآلهة، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها واعتلوا بأن الله غني، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها، وقوله (مما ذرأ) فيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي لأنه هو الذي ذرأه وزكاه ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكية (بزعمهم) وقرئ بالضم: أي قد زعموا أنه الله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة التي هي من الشرك، لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم في القربة (فلا يصل إلى الله) أي لا يصل إلى
(٥٢)
مفاتيح البحث: الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»