الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٩
حيث يجعل رسالاته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون. فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض
____________________
وأن لا يصطفى للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم (سيصيب الذين أجرموا) من أكابرها (صغار) وقماءة بعد كبرهم وعظمتهم (وعذاب شديد) في الدارين من الأسر والقتل وعذاب النار (فمن يرد الله أن يهديه) أن يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف (يشرح صدره للإسلام) يلطف به حتى يرغب في الاسلام وتسكن إليه نفسه ويحب الدخول فيه (ومن يرد أن يضله) أن يخذله ويخليه وشأنه وهو الذي لا لطف له (يجعل صدره ضيقا حرجا) يمنعه ألطافه حتى يقسو قلبه وينبو عن قبول الحق وينسد فلا يدخله الإيمان، وقرئ ضيقا بالتخفيف والتشديد. حرجا بالكسر وحرجا بالفتح وصفا بالمصدر (كأنما يصعد في السماء) كأنما يزاول أمرا غير ممكن، لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة وتضيق عنه القدرة، وقرئ يصعد وأصله يتصعد، وقرأ عبد الله يتصعد ويصاعد وأصله يتصاعد ويصعد من صعد ويصعد من أصعد (يجعل الله الرجس) يعني الخذلان ومنع التوفيق وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب أو أراد الفعل المؤدي إلى الرجس وهو العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب (وهذا صراط ربك) وهذا طريقه الذي اقتضته الحكمة وعادته في التوفيق والخذلان (مستقيما) - عادلا مطردا وانتصابه على أنه حال مؤكدة كقوله: وهو الحق مصدقا - (لهم) لقوم يذكرون (دار السلام) دار الله: يعني: الجنة أضافها إلى نفسه تعظيما لها أو دار السلامة من كل آفة وكدر. (عند ربهم) في ضمانه كما تقول: لفلان عندي حق لا ينسى، أو ذخيرة لهم لا يعلمون كنهها كقوله - فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين - (وهو وليهم) مواليهم ومحبهم أو ناصرهم على أعدائهم (بما كانوا يعملون) بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون (ويوم نحشرهم) منصوب بمحذوف: أي واذكر يوم نحشرهم أو ويوم نحشرهم قلنا يا معشر الجن) أو يوم نحشرهم قلنا: يا معشر الجن كان مالا يوصف لفظاعته والضمير لمن يحشر من الثقلين وغيرهم. والجن هم الشياطين (قد استكثرتم من الانس) أضللتم منهم كثيرا أو جعلتموهم أتباعكم فحشر معكم منهم الجم الغفير كما تقول: استكثر الأمير من الجنود، واستكثر فلان من الأشياع (وقال أولياؤهم من الانس) الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم (ربنا استمتع بعضنا ببعض) أي انتفع الانس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها، وانتفع الجن بالانس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم وشهوتهم في إغوائهم. وقيل استمتاع الانس بالجن ما في قوله - وأنه كان رجال
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»