الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥١
يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا شهدنا على أنفسنا، وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى
____________________
واختلف في أن الجن هل بعث إليهم رسل منهم فتعلق بعضهم بظاهر الآية ولم يفرق بين مكلفين ومكلفين أن يبعث إليهم رسول من جنسهم لأنهم به آنس وله آلف. وقال آخرون: الرسل من الانس خاصة، وإنما قيل رسل منكم لأنه جمع الثقلان في الخطاب صح ذلك وإن كان من أحدهما كقوله - يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان - وقيل أراد رسل الرسل من الجن إليهم كقوله تعالى - ولوا إلى قومهم منذرين - وعن الكلبي كانت الرسل من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الانس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن (قالوا شهدنا على أنفسنا) حكاية لتصديقهم وإيجابهم قوله - ألم يأتكم - لأن الهمزة الداخلة على نفي إتيان الرسل للإنكار فكان تقريرا لهم، وقولهم شهدنا على أنفسنا إقرار منهم بأن حجة الله لازمة لهم وأنهم محجوجون بها. فإن قلت: ما لهم مقرين في هذه الآية جاحدين في قوله - والله ربنا ما كنا مشركين - قلت: تتفاوت الأحوال والمواطن في ذلك اليوم المتطاول فيقرون في بعضها ويجحدون في بعضها أو أريد شهادة أيديهم وأرجلهم وجلودهم حين يختم على أفواههم. فإن قلت: لم كرر ذكر شهادتهم على أنفسهم. قلت: الأولى حكاية لقولهم كيف يقولون ويعترفون والثانية ذم لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم، أنهم قوم أغرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة وكان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام لربهم واستيجاب عذابه، وإنما قال ذلك تحذيرا للسامعين من مثل حالهم (ذلك) إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة، وهو خبر مبتدأ محذوف: أي الامر ذلك، و (أن لم يكن ربك مهلك القرى) تعليل: أي الامر ما قصصناه عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم على أن هي التي تنصب الافعال، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة على
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»