الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤١
بغير علم، سبحانه وتعالى عما يصفون. بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم. ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه، وهو على كل شئ وكيل. لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير
____________________
وهو قول أهل الكتابين في المسيح وعزير وقول قريش في الملائكة، يقال خلق الإفك وخرقه واختلقه واخترقه بمعنى. وسئل الحسن عنه فقال: كلمة عربية كانت العرب تقولها، كان الرجل إذا كذب كذبة في نادى القوم يقول له بعضهم قد خرقها والله، ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه: أي اشتقوا له بنين وبنات. وقرئ وخرقوا بالتشديد للتكثير لقوله بنين وبنات. وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وحرفوا له بمعنى وزوروا له أولادا، لأن المزور محرف مغير للحق إلى الباطل (بغير علم) من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية (بديع السماوات) من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها كقولك فلان بديع الشعر: أي بديع شعره، أو هو بديع في السماوات والأرض كقولك فلان ثبت الغدر:
أي ثابت فيه، والمعنى أنه عديم النظير والمثل فيها. وقيل البديع المبدع، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو هو مبتدأ وخبره (أنى يكون له ولد) أو فاعل تعالى، وقرئ بالجر ردا على قوله وجعلوا لله أو على سبحانه، والنصب على المدح. وفيه إبطال الولد من ثلاثة أوجه: أحدها أنه مبدع السماوات والأرض وهي أجسام عظيمة لا يستقيم أن يوصف بالولادة، لأن الولادة من صفات الأجسام، ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والدا. والثاني أن الولادة لا تكون إلا بين زوجين من جنس واحد، وهو متعال عن مجالس فلم يصح أن تكون له صاحبة فلم تصح الولادة. والثالث أنه ما من شئ إلا هو خالقه والعالم به، ومن كان بهذه الصفة كان غنيا عن كل شئ، والولد إنما يطلبه المحتاج. وقرئ ولم يكن له صاحبة بالياء، وإنما جاز للفصل كقوله:
لقد * ولد الأخيطل أم سوء * (ذلكم) إشارة إلى الموصوف بما تقدم مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة، وهي (الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ) أي ذلكم الجامع لهذه الصفات (فاعبدوه) مسبب عن مضمون الجملة على معنى أن من استجمعت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه، ثم قال (وهو على كل شئ وكيل) يعني وهو مع تلك الصفات مالك لكل شئ من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال. البصر هو الجوهر اللطيف الذي ركبه الله في حاسة النظر به تدرك المبصرات، فالمعنى: أن الأبصار لا تتعلق به ولا تدركه لأنه متعال أن يكون مبصرا في ذاته، لأن الأبصار إنما تتعلق بما كان في جهة أصلا أو تابعا كالأجسام والهيئات (وهو يدرك الابصار) وهو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة التي لا يدركها مدرك (وهو اللطيف) يلطف عن أن تدركه الأبصار (الخبير) بكل لطيف فهو يدرك الأبصار لا تلطف
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»