الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٢١
للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا. وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا. قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة
____________________
الألفاظ ملخصات المعاني مبينات المقاصد، إما محكمات أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات أو بتبيين الرسول قولا أو فعلا، أو ظاهرات الإعجاز تحدى بها فلم يقدر على معارضتها، أو حججا وبراهين، والوجه أن تكون حالا مؤكدة كقوله تعالى - وهو الحق مصدقا - لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججا (للذين آمنوا) يحتمل أنهم يناطقون المؤمنين بذلك ويواجهونهم به وأنهم يفوهون به لأجلهم وفى معناهم كقوله تعالى - وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه - قرأ ابن كثير (مقاما) بالضم وهو موضع الإقامة والمنزل والباقون بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان والموضع، والندى المجلس ومجتمع القوم وحيث ينتدون، والمعنى: أنهم إذا سمعوا الآيات وهم جهلة لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا وذلك مبلغهم من العلم قالوا أي الفريقين من المؤمنين بالآيات والجاحدين لها أو فر حظا من الدنيا،، حتى يجعل ذلك عيارا على الفضل والنقص والرفعة والضعة. ويروى أنهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنون ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخرة، ثم يدعون مفتخرين على فقراء المسلمين أنهم أكرم على الله منهم (كم) مفعول (أهلكنا) و (من) تبيين لإبهامها أي كثيرا من القرون أهلكنا وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم، و (هم أحسن) في محل النصب صفة لكم، ألا ترى أنك لو تركت هم لم يكن لك بد من نصب أحسن على الوصفية. الأثاث: متاع البيت، وقيل هو ماجد من الفرش والخرثى ما لبس منها، وأنشد الحسن بن علي الطوسي:
تقادم العهد من أم الوليد بنا * دهرا وصار أثاث البيت خرثيا قرئ على خمسة أوجه (رئيا) وهو المنظر والهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت وريئا على القلب كقولهم راء في رأى وريا على قلب الهمزة ياء والإدغام، أو من الري الذي هو النعمة والترفه من قولهم ريان من النعيم وريا على حذف الهمزة رأسا، ووجهه أن يخفف المقلوب وهو ريئا بحذف همزته وإلقاء حركتها على الياء الساكنة قبلها، وزيا واشتقاقه من الزي وهو الجمع لأن الزي محاسن مجموعة، والمعنى أحسن من هؤلاء. أي مد له الرحمن:
يعنى أمهله وأملى له في العمر، فأخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب ذلك، وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل لتقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة - أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر - أو كقوله تعالى - إنما نملى لهم ليزدادوا إثما - أو - من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا - في معنى الدعاء بأن يمهله الله وينفس في مدة حياته. في هذه الآية وجهان: أحدهما أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها والآيتان اعتراض بينهما: أي قالوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا (حتى إذا رأوا ما يوعدون) أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأى عين (إما العذاب) في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم، وإما يوم القيامة وهو ما ينالهم من الخزي والنكال، حينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه وأنهم شر مكانا وأضعف جندا لا خير مقاما وأحسن
(٥٢١)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 ... » »»