الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١٧
أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك
____________________
وكانت أهدت أترجة على ناقة، وكأنها الأترجة التي ذكرها أبو داود في سننه أنها شقت بنصفين وحملا كالعدلين على جمل وقيل الزماورد. وعن وهب أترجا وموزا وبطيخا. وقيل أعتدت لهن ما يقطع من متك الشئ بمعنى بتكه إذا قطعه. وقرأ الأعرج متكأ مفعلا من تكئ يتكأ إذا اتكأ (أكبرنه) أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الفائق. قيل كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (مررت بيوسف الليلة التي عرج بي إلى السماء فقلت لجبريل من هذا؟ فقال يوسف، فقيل يا رسول الله كيف رأيته؟ قال: كالقمر ليلة البدر) وقيل كان يوسف إذ سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران كما يرى نور الشمس من الماء عليها. وقيل ما كان أحد يستطيع وصف يوسف، وقيل كان يشبه آدم يوم خلقه ربه. وقيل ورث الجمال من جدته سارة. وقيل أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت، يقال أكبرت المرأة إذا حاضت، وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر إلى حد الكبر، وكان أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع * فإن لحت حاضت في الخدور العوائق (قطعن أيديهن) جرحنها كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحها. حاشا كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، تقول: أساء القوم حاشا زيد، قال:
حاشا أبى ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم وهى حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى حاشا الله: براءة الله وتنزيه الله، وهى قراءة ابن مسعود على إضافة حاشا إلى الله إضافة البراءة، ومن قرأ (حاشا لله) فنحو قولك سقيا لك كأنه قال براءة، ثم قال لله لبيان من يبرأ وينزه، والدليل على تنزيل حاشا منزلة المصدر قراءة أبى السمال حاشا لله بالتنوين، وقراءة أبى عمرو حاش لله بحذف الألف الآخرة. وقراءة الأعمش حاشا لله بحذف الألف الأولى، وقرئ حاش لله بسكون الشين، على أن الفتحة أتبعت الأف في الإسقاط وهى ضعيفة لما فيها من التقاء الساكنين على غير حده. وقرئ حاشا الإله. فإن قلت: فلم جاز في حاشا لله أن لا ينون بعد إجرائه مجرى براءة الله؟ قلت: مراعاة لأصله الذي هو الحرفية، ألا ترى إلى قولهم: جلست من عين يمينه، كيف تركوا عن غير معرب على أصله، على في قوله:
غدت من عليه، منقلب الألف إلى الياء مع الضمير. والمعنى: تنزية الله تعالى من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله، وأما قوله - حاشا لله ما علمنا عليه من سوء - فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله (ما هذا بشرا) نفين عنه البشرية لغرابة جماله ومباعدة حسنه لما عليه محاسن الصور، وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم، وذلك لأن الله عز وجل ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان، ولذلك يشبه كل متناه في الحسن والقبح بهما، وما ركز ذلك فيها إلا لأن الحقيقة كذلك، كما ركز في الطباع أن لا أدخل في الشر من الشياطين ولا أجمع للخير من الملائكة، إلا ما عليه الفئة الخاسئة المجبرة من تفضيل الإنسان على الملك، وما هو إلا من تعكيسهم للحقائق وجحودهم للعلوم الضرورية، ومكابرتهم في كل باب، وإعمال ما عمل ليس هي اللغة القدمى الحجازية وبه ورد القرآن، ومنها قوله تعلى - ما هن أمهاتهم - ومن قرأ على سليقته من بنى تميم قرأ بشر بالرفع وهى في قراءة ابن مسعود. وقرئ ما هذا بشرى: أي ما هو بعبد مملوك لئيم (إن هذا إلا ملك
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»