الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١٢
كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين. واستبقا الباب
____________________
وقعد بين شعبها الأربع وهى مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتا إياك وإياها فلم يكترث له، فسمعه ثانيا فلم يعمل به، فيسمع ثالثا: أعرض عنها، فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته. وقيل ضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله. وقيل كل ولد يعقوب له اثنا عشر ولدا، إلا يوسف فإنه ول له أحد عشر ولدا من أجل ما نقص من شهوته حين هم. وقيل صيح به يا يوسف لا تكن كالطائر كان له ريش فلما زنى قعد لا ريش له. وقيل بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم مكتوب فيها - وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين - فلم ينصرف، ثم رأى فيها - ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا - فلم ينته ثم رأى فيها - واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله - فلم ينجح فيه فقال الله لجبريل عليه السلام: أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة، فانحط جبريل وهو يقول: يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟ وقيل رأى تمثال العزيز، وقيل قامت المرأة إلى صنم كان هناك فسترته وقالت: أستحيي منه أن يرانا، فقال يوسف: استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر ولا أستحيي من السميع البصير العليم بذات الصدور؟ وهذا ونحوه مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت الله تعالى وأنبيائه، وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد الله بسبيل، ولو وجدت من يوسف عليه السلام أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره كما نعيت على آدم زلته وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذو النون وذكرت توبتهم واستغفارهم، كيف وقد أثنى عليه وسمى مخلصا، فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض، وأنه جاهد نفسه مجاهدة أولى القوة والعزم ناظرا في دليل التحريم ووجه القبح حتى استحق من الله الثناء فيما أنزل من كتب الأولين، ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصداق لها، ولم يقتصر إلا على استيفاء قصته وضرب صورة كاملة عليها ليجعل له لسان صدق في الآخرين، كما جعله لجدة الخليل إبراهيم عليه السلام، وليقتدى به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الإزار والتثبت في مواقف العثار، فأخزى الله أولئك في إيرادهم ما يؤدى إلى أن يكون إنزال الله السورة التي هي أحسن القصص في القرآن العربي المبين، ليقتدى بنبي من أنبياء الله في القعود بين شعب الزانية وفى حل تكته للوقوع عليها، وفى أن ينهاه ربه ثلاث كرات ويصاح به من عنده ثلاث صيحات بقوارع القرآن وبالتوبيخ العظيم وبالوعيد الشديد وبالتشبيه بالطائر الذي سقط ريشه حين سفد غير أنثاه وهو جاثم في مربضه لا يتحلحل ولا ينتهى ولا ينتبه، حتى يتداركه الله بجبريل وبإجباره، ولو أن أوقح الزناة وأشطرهم وأحدهم حدقة وأجلحهم وجها لقى بأدنى ما لقى به نبي الله مما ذكروا لما بقى له عرق ينبض ولا عضو يتحرك، فياله من مذهب ما أفحشه ومن ضلال ما أبينه (كذلك) الكاف منصوب المحل: أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه أو مرفوعه: أي الأمر مثل ذلك (لنصرف عنه السوء) من خيانة السيد (والفحشاء) من الزنى (إنه من عبادنا المخلصين) الذين أخلصوا دينهم لله، وبالفتح الذين أخلصهم الله لطاعته بأن عصمهم، ويجوز أن يريد بالسوء مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بشهوة ونحو ذلك، وقوله - من عبادنا - معناه بعض عبادنا: أي هو مخلص من جملة المخلصين، أو هو ناشئ منهم لأنه من ذرية إبراهيم الذين قال فيهم - إنا أخلصناهم بخالصة - (واستبقا الباب) وتسابقا إلى الباب على حذف الجار وإيصال الفعل كقوله - واختار موسى قومه - أو على تضمين استبقاء معنى ابتدرا، نفر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»