الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١٩
إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين. فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم. ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين. ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين.
____________________
على احتمالها لوجه الله، وفى قبح المعصية وفى عاقبة كل واحدة منهما، لأنظرا في مشتهى النفس ومكروهها (وإلا تصرف عنى كيدهن) فزع منه إلى ألطاف الله وعصمته كعادة الأنبياء والصالحين فيما عزم عليه ووطن عليه نفسه من الصبر، لا أن يطلب منه الإجبار على التعفف والإلجاء إليه (أصب إليهن) أمل إليهن، والصبوة الميل إلى الهوى، ومنها الصبا لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها. وقرى أصب إليهن من الصبابة (من الجاهلين) من الذين لا يعلمون بما يعلمون، لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء، أو من السفهاء لأن الحكيم لا يفعل القبيح. وإنما ذكر الاستجابة ولم يتقدم الدعاء لأن قوله وإلا تصرف عنى فيه معنى طلب الصرف والدعاء باللطف (السميع) لدعوات الملتجئين إليه (العليم) بأحوالهم وما يصلحهم (بدا لهم) فاعله مضمر لدلالة ما يفسره عليه وهو ليسجننه. والمعنى: بدا لهم بداء: أي ظهر لهم رأى ليسجننه، والضمير في لهم للعزيز وأهله (من بعد ما رأوا الآيات) وهى الشواهد على براءته وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها وفتلها منه في الذروة والغارب، وكان مطواعة لها وجميلا ذلولا زمامه في يدها حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات، وعمل برأيها في سجنه والحاق الصغار به كما أوعدته به، وذلك لما أيست من طاعته لها، أو لطمعها في أن يذلله السجن ويسخره لها. وفى قراءة الحسن لتسجننه بالتاء على الخطاب، خاطب به بعضهم العزيز ومن يليه، أو العزيز وحده على وجه التعظيم (حتى حين) إلى زمان كأنها اقترحت أن يسجن زمانا حتى تبصر ما يكون منه وفى قراءة ابن مسعود، عتى حين وهى لغة هذيل.
وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقرأ عتى حين فقال: من أقرأك؟ قال ابن مسعود، فكتب إليه: إن الله أنزل هذا القرآن فجعله عربيا وأنزله بلغة قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام (مع) يدل على معنى الصحبة واستحداثها، تقول خرجت مع الأمير: تريد مصاحبا له، فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له (فتيان) عبدان للملك خبازه وشرابيه، رقى إليه أنهما يسمانه، فأمر بهما إلى السجن فأدخلا السجن ساعة أدخل يوسف عليه السلام (إني أراني) يعنى في المنام وهى حكاية حال ماضية (أعصر خمرا) يعنى عنبا تسمية للعنب بما يئول إليه، وقيل الخمر بلغة عمان اسم للعنب. وفى قراءة ابن مسعود أعصر عنبا (من المحسنين) من الذين يحسنون عبارة الرؤيا: أي يجدونها رأياه يقص عليه بعض أهل السجن رؤياه فيؤولها له فقال له ذلك، أو من العلماء لأنهما سمعاه يذكر للناس ما علما به أنه عالم أو من المحسنين إلى هل السجن، فأحسن إلينا بأن تفرج عنا الغمة بتأويل ما رأينا إن كانت لك يد في تأويل الرؤيا. روى أنه كان إذا مرض رجل منهم قام
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»