الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٠٦
قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب
____________________
ويلعب بالياء ويرتع من أرتع ماشيته، وقرأ العلاء بن سيابة يرتع بكسر العين ويلعب بالرفع على الابتداء. فإن قلت: كيف استجاز لهم يعقوب عليه السلام اللعب؟ قلت: كان لعبهم الاستباق والانتضال ليضروا أنفسهم بما يحتاج إليه لقتال العدو لا للهو بدليل قوله - أنا ذهبنا نستبق - إنما سموه لعبا لإنه في صورته (ليحزنني) اللام لام الابتداء كقوله - إن ربك ليحكم بينهم - ودخولها أحد ما ذكره سيبويه من سبى المضارعة. اعتذر إليهم بشيئين:
أحدهما أن ذهابهم به ومفارقته إياه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة. والثاني خوفه عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم أو قل به اهتمامهم ولم تصدق بحفظه عنايتهم. وقيل رأى في النوم أن الذئب قد شد على يوسف فكان يحذره، فمن ثم قال ذلك فلقنهم العلة. وفى أمثالهم: البلاء موكل بالمنطق. وقرئ الذئب بالهمزة على الأصل وبالتخفيف، وقيل اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا أتت من كل جهة. القسم محذوف تقديره والله (لئن أكله الذئب) واللام موطئة للقسم، وقوله (إنا إذا لخاسرون) جواب للقسم مجزئ عن جزاء الشرط. والواو في ونحن عصبة واو الحال، حلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفى الخطوب إنهم إذا لقوم خاسرون: أي هالكون ضعفا وخورا وعجزا، أو مستحقون أن يهلكوا لأنه لاغناء عندهم ولا جدوى في حياتهم، أو مستحقون لأن يدعى عليهم باخسار والدمار وأن يقال خسرهم الله ودمرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون. وقيل إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا إذا وخسرناها. فإن قلت: قد اعتذر إليهم بعذرين فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر؟ قلت: هو الذي كان يغيظهم ويذيقهم الأمرين (1) فأعاروه آذانا صما ولم يعبئوا به (أن يجعلوه) مفعول أجمعوا من قولك أجمع الأمر وأزمعه - فأجمعوا أمركم - وقرئ في غيابات الجب، قيل هو بئر بيت المقدس، قيل بأرض الأردن، وقيل بين مصر ومدين، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب، وجواب لما محذوف ومعناه: فعلوا به ما فعلوا من الأذى. فقد روى أنهم لما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وأخذوا يهينونه ويضربونه، وكلما

(1) (قوله الأمرين) في الصحاح: لقيت منه الأمرين بنون الجمع، هي الدواهي اه‍ كتبه مصححه.
(٣٠٦)
مفاتيح البحث: الأكل (2)، الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»