الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١١
مثواي إنه لا يفلح الظالمون. ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه
____________________
مثواي) حين قال لك أكرمي مثواه فما جزاؤه أن أخلفه في أهله سوء الخلافة وأخوانه فيهم (إنه لا يفلح الظالمون) الذين يجازون الحسن بالسئ، وقيل أراد الزناة لأنهم ظالمون أنفسهم، وقيل أراد (1) الله تعالى لأنه مسبب الأسباب. هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه قال:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكى حلائله ومنه قولك لا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما: أي ولا أكاد أن أفعله كيدا ولا أهم بفعله هما، حكاه سيبويه.
ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بأمر أمضاه ولم ينكل عنه، وقوله (ولقد همت به) معناه: ولقد همت بمخالطته (وهم بها) وهم بمخالطتها (لولا أن رأى برهان ربه) جوابه محذوف تقديره: لولا أن أرى برهان ربه لخالطها، فحذف لأن قوله وهم بها يدل عليه كقولك: هممت بقتله لولا أنى خفت الله، معناه: لولا أنى خفت الله لقتلته.
فإن قلت: كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصد إليها؟ قلت: المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت إليها عن شهوة الشباب، وقرمه ميلا يشبه الهم به والقصد إليه، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم وهو يكسر ما به ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، لأن استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظم الابتلاء وشدته، ولو كان همه كهمها عن عزيمة لما مدحه الله بأنه من عباده لمخلصين، ويجوز أن يريد بقوله وهم بها: وشارف أن يهم بها، كما يقول الرجل: قتلته لو لم أخف الله، يريد مشارفة القتل ومشافهته كأنه شرع فيه. فإن قلت: قوله وهم بها داخل تحت حكم القسم في قوله ولقد همت به أم هو خارج منه؟ قلت: الأمران جائزان، ومن حق القارئ إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاما برأسه أن يقف على قوله ولقد همت به، ويبتدئ قوله وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، وفيه أيضا إشعار بالفرق بين الهمين، فإن قلت: لم جعلت جواب لولا محذوفا يدل عليه هم بها وهلا جعلته هو الجواب مقدما؟ قلت:
لأن لولا لا يتقدم عليها جوابها من قبل أنه في حكم الشرط وللشرط صدر الكلام، وهو مع ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض، وأما حذف بعضها إذ دل الدليل عليه فجائز. فإن قلت: فلم جعلت لولا متعلقة بهم بها وحده ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله ولقد همت لبه وهم بها، لأن الهم لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني، فلا بد من تقدير المخالطة، والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معا فكأنه قيل: ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما؟ قلت: نعم ما قلت، ولكن الله سبحانه قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال: ولقد همت به وهم بها، فكان إغفاله إلغاء له، فوجب أن يكون التقدير: ولقد همت بمخالطته وهم بمخالطتها، على أن المراد بالمخالطتين توصلها إلى ما هو حظها من قضاء شهوتها منه، وتوصله إلى ما هو حظه من قضاء شهوته منه، لولا أن رأى برهان ربه فترك التوصل إلى حظه من الشهوة، فلذلك كانت لولا حقيقة بأن تعلق بهم بها وحده، وقد فسرهم يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع، وبأنه حل تكة سراويله

(1) وقيل: أراد الله بقوله - ربى أحسن مثواي - كما هو ظاهر، كتبه مصحح.
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»