الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١٠
أكرمي مثواه، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربى أحسن
____________________
بالبينات - وقيل فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف، وقيل اشتراه العزيز بعشرين دينارا وزوجي نعل وثوبين أبيضين، وقيل أدخلوه السوق يعرضونه فترافعوا في ثمنه حتى بلغ ثمنه مسكا وورقا وحريرا فابتاعه قطفير بذلك المبلغ (اكرامي مثواه) اجعلي منزله ومقامه عندنا كريما: أي حسنا مرضيا بدليل قوله - إنه ربى أحسن مثواي - والمراد تفقديه بالإحسان وتعهديه بحسن الملكة حتى تكون نفسه طيبة في صحبتنا ساكنة في كنفنا، ويقال للرجل كيف أبو مثواك وأم مثواك؟ لمن ينزل به من رجل أو امرأة، يراد هل تطيب نفسك بثوائك عنده وهل يراعى حق نزولك به؟ واللام في لامرأته متعلقة بقال لا باشتراه (عسى أن ينفعنا) لعله إذا تدرب وراض الأمور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله فينفعنا فيه بكفايته وأمانته، أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قطفير عقيما لا يولد له، وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك. وقيل أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا. والمرأة التي أتت موسى وقالت لأبيها يا أبت استأجره. وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله عنهما. وروى أنه سأله عن نفسه فأخبره بنسبه فعرفه (وكذلك) الإشارة إلى ما تقدم من إنجائه وعطف قلب العزيز عليه، والكاف منصوب تقديره: ومثل ذلك الإنجاء والعطف (مكنا) له: أي كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز كذلك مكنا له في أرض مصر وجعلناه ملكا يتصرف فيها بأمره ونهيه (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) كان ذلك الإنجاء والتمكين لأن غرضنا ليس إلا ما تحمد عاقبته من علم وعمل (والله غالب على أمره) على أمر نفسه لا يمنع عما يشاء ولا ينازع ما يريد ويقضى، أو على أمر يوسف يدبره لا يكله إلى غيره، قد أراد إخوته به ما أرادوا ولم يكن إلا ما أراد الله ودبره (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أن الأمر كله بيد الله. قيل في الأشد ثماني عشرة سنة وعشرون وثلاث وثلاثون وأربعون وقيل أقصاء ثنتان وستون (حكما) حكمة وهو العلم بالعمل واجتناب ما يجهل فيه. وقيل حكما بين الناس وفقها (وكذلك نجزى المحسنين) تنبيه على أنه كان محسنا في عمله متقيا في عنفوان أمره، وأن الله آتاه الحكم والعلم جزاء على إحسانه. وعن الحسن، من أحسن عبادة ربه في شيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله. والراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب، كأن المعنى خادعته عن نفسه، أي فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن الشئ الذي لا يريد أن يخرجه من يده يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه وهو عبارة عن التحمل لمواقعة إياها (وغلقت الأبواب) قيل كانت سبعة. قرئ هيت بفتح الهاء وكسرها مع فتح التاء وبناؤه كبناء أين وعيط وهيت كجير وهيت كحيت وهئت بمهنى تهيأت، يقال هاء يهئ كجاء يجئ: إذا تهيأ وهيئت لك، واللام من صلة الفعل، وأما في الأصوات فللبيان كأنه قيل لك أقول هذا، كما تقول هلم لك (معاذ الله) أعوذ بالله معاذا (إنه) ان الشأن والحديث (ربى) سيدي ومالكي يريد قطفير (أحسن
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»