الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٠٥
اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين. قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين. قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون
____________________
بذلك لأنهم جماعة تعصب بهم الأمور ويستكفون النوائب. وروى النزال بن سبرة عن علي رضي الله عنه: ونحن عصبة بالنصب، وقيل معناه: ونحن نجتمع عصبة. وعن ابن الأنباري: هذا كما تقول العرب إنما العامري عمته: أي يتعهد عمته (اقتلوا يوسف) من جملة ما حكى بعد قوله - إذ قالوا - كأنهم أطبقوا على ذلك إلا من قال لا تقتلوا يوسف. وقيل الأمر بالقتل شمعون، وقيل دان والباقون كانوا راضين فجعلوا آمرين (أرضا) أرضا منكورة مجهولة بعيدة من العمران وهو معنى تنكيرها وإخلائها من الوصف ولا بهامها من هذا الوجه نصبت نصب الظروف المبهمة (يخل لكم وجه أبيكم) يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم، والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها وينازعهم إياها، فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم لأن الرجل إذا أقبل على الشئ أقبل بوجهه، ويجوز أن يراد بالوجه الذات كما قال تعالى - ويبقى وجه ربك - وقيل يخل لكم: يفرغ لكم من الشغل بيوسف (من بعده) من بعد يوسف: أي من بعد كفايته بالقتل أو التغريب، أو يرجع الضمير إلى مصدر اقتلوا أو اطرحوا (قوما صالحين) تائبين إلى الله مما جنيتم عليه، أو يصلح ما بينكم وبين أبيكم بعذر تمهدونه، أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم بعده بخلو وجه أبيكم. وتكونوا إما مجزوم عطفا على يخل لكم أو منصوب بإضمار أن والواو بمعنى مع كقوله - وتكتموا الحق - (قائل منهم) هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا وهو الذي قال:
فلن أبرح الأرض، قال لهم: القتل عظيم (القوة في غيابة الجب) وهى غوره وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله، قال المنخل:
إذا أنا يوما غيبتني غيابتي * فسيروا بسيري في العشيرة والأهل أراد غيابة حفرته التي يدفن فيها. وقرئ غيابات بالتشديد، وقرأ الجحدري غيبة، والجب البئر لم تطو لأن الأرض تجب جبا لاغير (يلتقطه) يأخذه (بعض السيارة) بعض الأقوام الذين يسيرون في الطريق. وقرئ تلتقطه بالتاء على المعنى لأن بعض السيارة سيارة كقوله: * كما شرقت صدر القناة من الدم * ومنه: ذهبت بعض أصابعه (إن كنتم فاعلين) إن كنتم على أن تفعلوا ما يحصل به غرضكم فهذا هو الرأي (مالك لا تأمنا) قرئ باظهار النونين وبالادغام باشمام وبغير إشمام، وتيمنا بكسر التاء مع الإدغام. والمعنى: لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه، وما وجد منا في بابه ما يدل على خلاف النصيحة والمقة، وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن راية وعادته في حفظه منهم. وفيه دليل على أنه أحسن منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه (نرتع) نتسع في أكل ألفوا كمه وغيرها وأصل الرتعة الخصب والسعة، وقرئ نرتع من ارتعى يرتعي. وقرئ يرتع
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»