الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٧٥
إن العاقبة للمتقين. وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون. يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون. ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين. إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء،
____________________
نحو ما قيض لنوح ولقومه (ان العاقبة) في الفوز والنصر والغلبة (للمتقين) وقوله - ولا قومك - معناه: ان قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شانهم ولا سمعوه ولا عرفوه، فكيف برجل منهم كما تقول: لم يعرف هذا عبد الله ولا أهل بلده (أخاهم) واحدا منهم وانتصابه وللعطف على أرسلنا نوحا، و (هودا) عطف بيان، و (غيره) بالرفع صفة على محل الجار والمجرور، وقرئ غيره بالجر صفة على اللفظ (ان أنتم الا مفترون) تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء. مامن رسول الا واجه قومه بهذا القول لان شانهم النصيحة، والنصيحة لا يمحصها ولا يمحضها الا حسم المطامع، وما دام يتوهم شئ منها لم تنجح ولم تنفع (أفلا تعقلون) إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها اجرا الا من الله وهو ثواب الآخرة، ولا شئ انفى للتهمة من ذلك، قيل (استغفروا ربكم) امنوا به (ثم توبوا إليه) من عبادة غيره، لان التوبة لا تصح الا بعد الايمان. والمدرار الكثير الدرور كالمغزار، وانما قصد استمالتهم إلى الايمان وترغيبهم فيه بكثرة المطر وزيادة القوة، لان القوم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات حراصا عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شئ إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة القوة والبطش والباس والنجدة، مستحرزين بها من العدو مهيبين في كل ناحية. وقيل أراد القوة في المال، وقيل القوة على النكاح، وقيل حبس عنهم القطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما انه وفد على معاوية، فلما خرج تبعه بعض حجابه فقال: انى رجل ذو مال ولا يولد لي فعلمني شيئا لعل الله يرزقني ولدا، فقال: عليك بالاستغفار، فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة، فولد له عشر بنين، فبلغ ذلك معاوية فقال: هلا سألته مم قال ذلك؟ فوفد وفدة أخرى فسالة الرجل فقال:
ألم تسمع قول هود عليه السلام - ويزدكم قوة إلى قوتكم - وقول نوح عليه السلام - ويمددكم بأموال وبنين - (ولا تتولوا) ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم إليه وأرغبكم فيه (مجرمين) مصرين على اجرامكم وآثامكم (ما جئتنا ببينة) كذب منهم وجحود كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم - لولا انزل عليه أية من ربه - مع فوت آياته الحصر (عن قولك) حال من الضمير في تاركي آلهتنا كأنه قيل: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك (وما نحن لك بمؤمنين) وما يصح من أمثالنا ان يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه اقناطا له من الإجابة (اعتراك) مفعول نقول والا لغو، والمعنى: ما نقول الا قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء: أي خبلك ومسك بجنون لسبك إياها وصدك عنها
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»