الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٧٣
إنه عمل غير صالح، فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين. قال رب إني أعوذ بك
____________________
(إنه عمل غير صالح) تعليل لانتفاء كونه من أهله، وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد في المنصب وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك، وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في ذمه كقولها:
* فإنما هي إقبال وإدبار * وقيل الضمير لنداء نوح: أي إن نداءك هذا عمل غير صالح وليس بذاك. فإن قلت: فهلا قيل إنه عمل فاسد؟ قلت: لما نفاه عن أهله نفى عنه صفتهم بكلمة النفي التي يستبقى معها لفظ المنفى، وآذن بذلك أنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهلك وأقاربك، وأن هذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوتك كقوله - كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا - وقرئ عمل غير صالح: أي عملا غير صالح وقرئ فلا تسئلن بكسر النون بغير ياء الإضافة وبالنون الثقيلة بياء وبغير ياء: يعنى فلا تلتمس منى ملتمسا أو التماسا لاتعلم أصواب هو أم غير صواب حتى تقف على كنهه، وذكر المسألة دليل على أن النداء كان قبل أن يغرق حين خاف عليه. فإن قلت: لم سمى نداؤه سؤالا ولا سؤال فيه؟ قلت : قد تضمن دعاؤه معنى السؤال وإن لم يصرح به، لأنه إذا ذكر الموعد بنجاة أهله في وقت مشارفة ولده الغرق فقد استنجز، وجعل سؤال مالا يعرف كنهه جهلا وغباوة، ووعظه أن لا يعود إليه وإلى أمثاله من أفعال الجاهلين.
فإن قلت: قد وعده أن ينجى أهله وما كان عنده أن ابنه ليس منهم دينا، فلما أشفى على الغرق تشابه عليه الآمر لأن العدة قد سبقت له، وقد عرف الله حكيما لا يجوز عليه فعل القبيح وخلف الميعاد، فطلب إماطة الشبهة وطلب إماطة الشبهة واجب، فلم زجر وسمى سؤاله جهلا؟ قلت: إن الله عز وعلا قدم له الوعد بإنجاء أهله مع استثناء من سبق عليه القول منهم، فكان عليه أن يعتقد أن في جملة أهله من هو مستوجب للعذاب لكونه غير صالح، وأن كلهم ليسوا بناجين، وأن لا تخالجه شبهة حين شارف ولده الغرق في أنه من المستثنين لا من المستثنى منهم،
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»