الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون. فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين. هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون. قل من يرزقكم من السماء والأرض
____________________
لا يخلو إما أن يكون أغشيت من قبل أو من الليل صفة لقوله قطعا فكان إفضاؤه إلى الموصوف كافضائه إلى الصفة، وإما أن يكون معنى الفعل في من الليل (مكانكم) الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم، و (أنتم) أكد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله الزموا (وشركاؤكم) عطف عليه. وقرئ وشركاءكم على أن الواو بمعنى مع، والعامل فيه ما في مكانكم من معنى الفعل (فزيلنا بينهم) ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم والوصل التي كانت بينهم في الدنيا، أو فباعدنا بينهم بعد الجمع بينهم في الموقف. وتبرؤ شركائهم منهم ومن عبادتهم كقوله تعالى - ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا - وقرئ فزايلنا بينهم كقولك: صاعر خده وصعره، وكالمته وكلمته (ما كنتم إيانا تعبدون) إنما كنتم تعبدون الشياطين حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموهم (إن كنا) هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، هم الملائكة والمسيح ومن عبدوه من دون الله من أولى العقل. وقيل الأصنام ينطقها الله عز وجل فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي زعموها وعلقوا بها أطماعهم (هنالك) في ذلك المقام وفى ذلك الموقف أو في ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان (تبلوا كل نفس) تختبر وتذوق (ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود؟ كما يختبر الرجل الشئ ويتعرفه ليكتنه حاله، ومنه قوله تعالى - يوم تبلى السرائر -. وعن عاصم نبلو كل نفس بالنون ونصب كل:
أي نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل فنعرف حالها بمعرفة حال عملها، إن كان حسنا فهي سعيدة، وإن كان سيئا فهي شقية. والمعنى: نفعل بها فعل الخابر كقوله تعالى - ليبلوكم أيكم أحسن عملا - ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء وهو العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر. وقرئ تتلوا: أي تتبع ما أسلفت، لأن عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار، أو تقرأ في صحيفتها ما قدمت من خير أو شر (مولاهم) ربهم الصادق ربوبيته، لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة، أو الذي يتولى حسابهم وثوابهم العدل الذي لا يظلم أحدا. وقرئ الحق بالفتح على تأكيد قوله - ردوا إلى الله - كقولك:
هذا عبد الله الحق لا الباطل، أو على المدح كقولك: الحمد لله أهل الحمد (وضل عنهم ما كانوا يفترون) وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله، أو بطل عنهم ما كانوا يختلفون من الكذب وشفاعة الآلهة (قل من يرزقكم من السماء والأرض) أي يرزقكم منهما جميعا لم يقتصر يرزقكم على جهواحدة ليفيض عليكم
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»