الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٥١
فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون * وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين. فاليوم ننجيك
____________________
يدعوان، والمعنى: أن دعاءكما مستجاب وما طلبتما كائن ولكن في وقته (فاستقيما) فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في إلزام الحجة، فقد لبث نوح عليه السلام في قومه ألف عام إلا قليلا تستعجلا. قال ابن جريج: فمكث موسى بعد الدعاء أربعين سنة (ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) أي لا تتبعا طريق الجهلة بعادة الله في تعليقه الأمور بالمصالح، ولا تعجلا فإن العجلة ليست بمصلحة، وهذا كما قال لنوح عليه السلام - إني أعظك أن تكون من الجاهلين -. وقرئ ولا تتبعان بالنون الخفيفة وكسرها لالتقلاء الساكنين تشبيها بنون التنبيه وبتخفيف التاء من تبع. قرأ الحسن وجوزنا من أجاز المكان وجوزه وجاوزه، وليس من جوز الذي في بيت الأعشى: * وإذا يجوزها جبال قبيلة * لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال: وجوزنا بني إسرائيل في البحر كما قال: * كما جوز السكي في الباب فيتق * (فأتبعهم) فلحقهم، يقال تبعته حتى أتبعته. وقرأ الحسن وعدوا. وقرئ: أنه بالفتح على حذف الباء التي هي صلة الإيمان، وإنه بالكسر على الاستئناف بدلا من آمنت.
كرر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته وقاله حين لم يبق له اختيار قط، وكانت المرة الواحدة كافية في حال الاختيار وغند بقاء التكليف (آلآن) أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك. وقيل قال ذلك حين ألجمه الغرق: يعنى حين أوشك أن يغرق. وقيل قاله بعد أن غرق في نفسه. والذي يحكى أنه حين قال آمنت، أخذ جبريل من حال البحر فدسه فيه، فللغضب لله على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه. وأما ما يضم إليه من قولهم: خشية أن يدركه رحمة الله، فمن زيادات الباهتين لله وملائكته، وفيه جهالتان: إحداهما أن الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس فحال البحر لا يمنعه، والأخرى أن من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر لأن الرضا بالكفر كفر (من المفسدين) من الضالين المضلين عن الإيمان كقوله - الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون - وروى أن جبريل عليه السلام أتاه بفتيا - ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه، فكتب فرعون فيه يقول أبو العباس الوليد بن مصعب:
جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماه أن يغرق في البحر. فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه (ننجيك) التشديد والتخفيف نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، وقيل نلقيك بنجوة من الأرض. وقرئ ننجيك
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»