____________________
وأما الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للإنسان (ما يكون لي) ما ينبغي لي وما يحل كقوله تعالى - ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق - (أن أبدله من تلقاء نفسي) من قبل نفسي، وقرئ بفتح التاء من غير أن يأمرني بذلك ربى (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) لا آتي ولا أذر شيئا من نحو ذلك إلا متبعا لوحى الله وأوامره، إن نسخت آية تبعت النسخ، وإن بدلت آية مكان آية تبعت التبديل، وليس إلى تبديل ولا نسخ (إني أخاف إن عصيت ربى) بالتبديل والنسخ من عند نفسي (عذاب يوم عظيم). فإن قلت: أما ظهر وتبين لهم العجز عن الإتيان بمثل القرآن حتى قالوا: ائت بقرآن غير هذا؟ قلت: بلى ولكنهم كانوا لا يعترفون بالعجز وكانوا يقولون - لو نشاء لقلنا مثل هذا - ويقولون - أفترى على الله كذبا - فينسبونه إلى الرسول ويزعمونه قادرا عليه وعلى مثله مع علمهم بأن العرب مع كثرة فصحائها وبلغائها إذا عجزوا عنه كان الواحد منهم أعجز. فإن قلت: لعلهم أرادوا ائت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحي كما أتيت بالقرآن من جهته. وأراد بقوله - ما يكون لي - ما يتسهل لي وما يمكنني أن أبدله؟ قلت: يرده قوله - إني أخاف إن عصيت ربى - فإن قلت: فما كان غرضهم وهم أدهى الناس وأنكرهم في هذا الاقتراح؟ قلت: الكيد والمكر، أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه أنه من عندك وأنك قادر على مثله فأبدل مكانه آخر، وأما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال، وأنه إن وجد منه تبديل فإما أن يهلكه الله فينجو منه، أو لا يهلكه فيسخروا منه ويجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحا لافترائه على الله (لو شاء الله ما تلوته عليكم) يعنى أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله وإحداثه أمرا عجيبا خارجا عن العادات، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره ولا نشأ في بلد فيه علماء، فيقرأ عليكم كتابا فصيحا يبهر كل كلام فصيح ويعلو على كل منثور ومنظوم، مشحونا بعلوم من علوم الأصول والفروع وأخبار مما كان وما يكون، ناطقا بالغيوب التي لا يعلمها إلا الله، وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله ولا يخفى عليكم شئ من أسراره، وما سمعتم منه حرفا من ذلك ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه وألصقهم به (ولا أدراكم به) ولا أعلمكم به على لساني. وقرأ الحسن ولا أدراتكم به على لغة من يقول أعطاته وأرضاته في معنى أعطيته وأرضيته، وتعضده قراءة ابن عباس: ولا أنذرتكم به، ورواه الفراء ولا أدرأتكم به بالهمز.
وفيه وجهان: أحدهما أن تقلب الألف همزة كما قيل لبأت بالحج ورثأت الميت وحلأت السويق، وذلك لأن الألف والهمزة من واد واحد، ألا ترى أن الألف إذا مستها الحركة انقلبت همزة، والثاني أن يكون من درأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته دارئا. والمعنى: ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرئونني بالجدال وتكذبونني. وعن ابن كثير: ولأدراكم به بلام الابتداء لأثبات الإدراء ومعناه: لو شاء الله ما تلوته أنا عليكم ولا علمكم به على لسان غيري، ولكنه يمن على من يشاء من عباده، فخصني بهذه الكرامة ورآني لها دون سائر الناس (فقد لبثت فيكم عمرا) وقرئ عمرا بالسكون. يعنى: فقد أقمت فيما بينكم يافعا وكهلا، فلم تعرفوني متعاطيا شيئا من نحوه ولا
وفيه وجهان: أحدهما أن تقلب الألف همزة كما قيل لبأت بالحج ورثأت الميت وحلأت السويق، وذلك لأن الألف والهمزة من واد واحد، ألا ترى أن الألف إذا مستها الحركة انقلبت همزة، والثاني أن يكون من درأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته دارئا. والمعنى: ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرئونني بالجدال وتكذبونني. وعن ابن كثير: ولأدراكم به بلام الابتداء لأثبات الإدراء ومعناه: لو شاء الله ما تلوته أنا عليكم ولا علمكم به على لسان غيري، ولكنه يمن على من يشاء من عباده، فخصني بهذه الكرامة ورآني لها دون سائر الناس (فقد لبثت فيكم عمرا) وقرئ عمرا بالسكون. يعنى: فقد أقمت فيما بينكم يافعا وكهلا، فلم تعرفوني متعاطيا شيئا من نحوه ولا