الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٥٠
وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما
____________________
وياقوت. فإن قلت: ما معنى قوله (ربنا ليضلوا عن سبيلك)؟ قلت: هو دعاء بلفظ الأمر كقوله - ربنا اطمس - واشدد - وذلك أنه لما عرض عليهم آيات الله وبياناته عرضا مكررا وردد عليهم النصائح والمواعظ زمانا طويلا وحذرهم عذاب الله وانتقامه وأنذرهم عاقبة ما كانوا عليه من الكفر والضلال المبين ورآهم لا يزيدون على عرض الآيات إلا كفرا وعلى الإنذار إلا استكبارا وعن النصيحة إلا نبوا ولم يبق له مطمع فيهم، وعلم بالتجربة وطول الصحبة أنه لا يجئ منهم إلا الغى والضلال، وأن إيمانهم كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة، أو علم ذلك بوحي من الله اشتد غضبه عليهم وأفرط مقته وكراهته لحالهم، فدعا الله عليهم بما علم أنه لا يكون غيره، كما تقول: لعن الله إبليس وأخزى الله الكفرة مع علمك أنه لا يكون غير ذلك، وليشهد عليهم بأنه لم يبق له فيهم حيلة وأنهم لا يستأهلون إلا أن يخذلوا ويخلى بينهم وبين ضلالهم يتسكعون فيه، كأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليكونوا ضلالا، وليطبع الله على قلوبهم فلا يؤمنوا، وما على منهم هم أحق بذلك وأحق، كما يقوله الأب المشفق لولده الشاطر إذا مالم يقبل منه حسرة على ما فاته من قبول نصيحته وحردا عليه، لا أن يريد خلاعته واتباعه هواه. ومعنى الشد على القلوب: الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان (فلا يؤمنوا) جواب للدعاء الذي هو اشدد، أو دعاء بلفظ النهى، وقد حملت اللام في ليضلوا على التعليل على أنهم جعلوا نعمة الله سببا في الضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا، وقوله - فلا يؤمنوا - عطف على - ليضلوا - وقوله - ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم - دعاء معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقرأ الفضل الرقاشي: أئنك آتيت على الاستفهام واطمس بضم الميم. وقرئ دعواتكما، قيل كان موسى يدعو وهرون يؤمن، ويجوز أن يكونا جميعا
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»