الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٢٨
ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزى القوم المجرمين. ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون. وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله
____________________
كان منبطحا عاجز النهض متخاذل النوء، أو كان قاعدا لا يقدر على القيام، أو كان قائما لا يطيق الممشى والمضطرب إلى أن يخف كل الخفة ويرزق الصحة بكمالها والمسحة بتمامها. ويجوز أن يراد أن من المضرورين من هو أشد حالا وهو صاحب الفراش، ومنهم من هو أخف وهو القادر على القعود، ومنهم المستطيع للقيام، وكلهم لا يستغنون عن الدعاء واستدفاع البلاء لأن الإنسان للجنس (مر) أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسى حال الجهد، أو مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به (كأن لم يدعنا) كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن قال * كأن ثدياه حقان * (كذلك) مثل ذلك التزيين (زين للمسرفين) زين الشيطان بوسوسته أو الله بخذلانه وتخليته (ما كانوا يعملون) من الإعراض عن الذكر واتباع الشهوات (لما) ظرف لأهلكنا، والواو في (وجاءتهم) للحال: أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهى المعجزات. وقوله (وما كانوا ليؤمنوا) يجوز أن يكون عطفا على ظلموا وأن يكون اعتراضا، واللام لتأكيد النفي يعنى: وما كانوا يؤمنون حقا تأكيد النفي إيمانهم، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على كفرهم وأن الإيمان مستبعد منهم، والمعنى: أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن لزموا الحجة ببعثة الرسل (كذلك) مثل ذلك الجزاء يعنى الإهلاك (نجزى) كل مجرم وهو وعيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ يجزى بالياء (ثم جعلناكم) الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم: أي استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكنا (لننظر) أتعملون خيرا أم شرا فنعاملكم على حسب عملكم و (كيف) في محل النصب بتعملون لا بننظر، لأن معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدم عليه عامله. فإن قلت: كيف جاز النظر على الله تعالى وفيه معنى المقابلة؟ قلت: هو مستعار للعلم المحقق الذي هو العلم بالشئ موجودا شبه بنظر الناظر وعيان المعاين في تحققه.
غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد للمشركين فقالوا (ائت بقرآن) آخر ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك (أو بدله) بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة، وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها. فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت قدرة الإنسان، وهو أن يضع مكان آية عذاب آية رحمة مما أنزل، وأن يسقط ذكر الآلهة
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»