الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٢٧
فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون. وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه
____________________
نداء الله ومعناه: اللهم إنا نسبحك كقول القانت في دعاء القنوت: اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد، ويجوز أن يراد بالدعاء العبادة - وأعتزلكم وما تدعون من دون الله - على معنى: أن لا تكليف في الجنة ولا عبادة، وما عبادتهم إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه، وذلك ليس بعبادة إنما يلهمونه فينطقون به تلذذا بلا كلفة كقوله تعالى - وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية - (وآخر دعواهم) وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح (أن) يقولوا (الحمد لله رب العالمين). ومعنى - وتحيتهم فيها سلام - أن بعضهم يحيى بعضا بالسلام، وقيل هي تحية الملائكة إياهم إضافة للمصدر إلى المفعول، وقيل تحية الله لهم، وأن هي المخففة من الثقيلة وأصله أنه الحمد لله على أن الضمير للشأن كقوله * أن هالك كل من يخفى وينتعل * وقرئ أن الحمد لله بالتشديد ونصب الحمد أصله (ولو يعجل الله للناس الشر) تعجيله لهم الخير، فوضع (استعجالهم بالخير) موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته لهم واستعافه بطلبتهم حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل لهم والمراد أهل مكة وقوله - فأمطر علينا حجارة من السماء - يعنى ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه (لقضى إليهم أجلهم) لأميتوا وأهلكوا. وقرئ لقضى إليهم أجلهم على البناء للفاعل وهو الله عز وجل، وتنصره قراءة عبد الله لقضينا إليهم أجلهم. فإن قلت: فكيف اتصل به قوله (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) وما معناه؟ قلت: قوله - ولو يعجل الله - متضمن معنى نفى التعجيل كأنه قيل: ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذرهم (في طغيانهم) أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم (لجنبه) في موضع الحال بدليل عطف الحالين عليه: أي دعانا مضطجعا (أو قاعدا أو قائما). فإن قلت: فما فائدة ذكر هذه الأحوال؟
قلت: معناه أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر، فهو يدعونا في حالاته كلها،
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»