الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٢٦
ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون. إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأض لآيات لقوم يتقون. إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون. أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم
____________________
الشهور والأيام والليالي (ذلك) إشارة إلى المذكور: أي ما خلقه إلا متلبسا بالحق الذي هو الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا. وقرئ يفعل بالياء. خص المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى النظر والتدبر (لا يرجون لقاءنا) لا يتوقعونه أصلا ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم المستولية عليهم المذهلة باللذات وحب العاجل عن التفطن للحقائق، أو لا يأملون حسن لقائنا كما يأمله السعداء، أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف (ورضوا بالحياة الدنيا) من الآخرة، وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي كقوله تعالى - أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة - (واطمأنوا بها) وسكنوا فيها سكون من لا يزعج منها فبنوا شديدا وأملوا بعيدا (يهديهم ربهم بإيمانهم) يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدى إلى الثواب ولذلك جعل (تجرى من تحتهم الأنهار) بيانا له وتفسيرا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، ويجوز أن يريد يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة كقوله تعالى - يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم - ومنه الحديث (إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة فيقول له أنا عملك، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صوره سيئة فيقول أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار). فإن قلت: فلقد دلت هذه الآية على أن الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو إيمان مقيد، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح والإيمان الذي لم يقرن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور. قلت: الأمر كذلك، ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل كأنه قال: إن الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قال بإيمانهم أي بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح وهو بين واضح لا شبهة فيه (دعواهم) دعاؤهم لأن اللهم
(٢٢٦)
مفاتيح البحث: الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»