الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٢٥
ثم استوى على العرش يدبر الأمر مامن شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون. هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله
____________________
كانوا كاذبين في تسميته سحرا، وفى قراءة أبى ما هذا إلا سحر (يدبر) يقضى ويقدر على حسب مقتضى الحكمة ويفعل ما يفعل المتحرى للصواب الناظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يلقاه ما يكره آخرا، و (الأمر) أمر الخلق كله وأمر ملكوت السماوات والأرض والعرش. فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: قد دل بالجملة قبلها على عظمة شأنه وملكه بخلق السماوات والأرض مع بسطتها واتساعها في وقت يسير وبالاستواء على العرش، وأتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة، وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره، وكذلك قوله (مامن شفيع إلا من بعد إذنه) دليل على العزة والكبرياء كقوله - يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن - و (ذلكم) إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة أي ذلك العظيم الموصوف بما وصف به هو (ربكم) وهو الذي يستحق منكم العبادة (فاعبدوه) وحده ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع (أفلا تذكرون) فإن أدنى التفكر والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه (إليه مرجعكم جميعا) أي لا ترجعون في العاقبة إلا إليه فاستعدوا للقائه (وعد الله) مصدر مؤكد لقوله - إليه مرجعكم - و (حقا) مصدر مؤكد لقوله - وعد الله - (إنه يبدؤ الخلق ثم يعيده) استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه، وهو أن الغرض ومقتضى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم. وقرئ أنه يبدؤ الخلق بمعنى لأنه، أو هو منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله: أي وعد الله وعدا بدء الخلق ثم إعادته، والمعنى: إعادة الخلق بعد بدئه. وقرئ وعد الله على لفظ الفعل ويبدئ من أبدأ، ويجوز أن يكون مرفوعا بما نصب حقا: أي حق حقا بدء الخلق كقوله:
أحقا عباد الله أن لست جائيا * ولا ذاهبا إلا على رقيب وقرئ حق أنه يبدؤ الخلق كقولك: حق أن زيدا منطلق (بالقسط) بالعدل وهو متعلق بيجزى. والمعنى:
ليريهم بقسطه ويوفيهم أجورهم أو بقسطهم وبما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا صالحا لأن الشرك ظلم، قال الله تعالى - إن الشرك لظلم عظيم - والعصاة ظلام أنفسهم، وهذا أوجه لمقابلة قوله - بما كانوا يكفرون - الياء في (ضياء) منقلبة عن واو ضوء لكسرة ما قبلها. وقرئ ضئاء بهمزتين بينهما ألف على القلب بتقديم اللام على العين كما قيل في عاق عقا، والضياء أقوى من النور (وقدره) وقدر القمر، والمعنى: وقدر مسيره (منازل) أو قدره ذا منازل كقوله تعالى - والقمر قدرناه منازل - (والحساب) وحساب الأوقات من
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»