الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٢١
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم يحذرون. يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله
____________________
الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح ولا ممكن، وفيه أنه لو صح وأمكن ولم يؤد إلى مفسدة لوجب لوجوب التفقه على الكافة، ولأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة (فلولا نفر) فحين لم يمكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر (من كل فرقة منهم طائفة) أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير (ليتفقهوا في الدين) ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا المشاق في أخذها وتحصيلها (ولينذروا قومهم) وليجعلوا غرضهم ومرمى دهمتهم في التفقه إنذار قومهم وإرشادهم والنصيحة لهم، لا ما ينتحيه الفقهاء من الأغراض الخسيسة ويؤمونه من المقاصد الركيكة، من التصدر والترؤس والتبسيط في البلاد، والتشبه بالظلمة في ملابسهم ومراكبهم ومنافسة بعضهم بعضا، وفشو داء الضرائر بينهم، وانقلاب حماليق أحدهم إذا لمح ببصره مدرسة لآخر أو شرذمة جثوا بين يدية، وتهالكه على أن يكون موطأ العقب دون الناس كلهم، فما أبعد هؤلاء من قوله عز وجل - لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا - (لعلهم يحذرون) إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملا صالحا. ووجه آخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث بعثا بعد غزوة تبوك وبعد ما أنزل في المتخلفين من الآيات الشداد استبق المؤمنون من آخرهم إلى النفير وانقطعوا جميعا عن استماع الوحي والتفقه في الدين، فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد، ويبقى أعقابهم يتفاقهون حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر، لأن الجدال بالحجة أعظم أثرا من الجلاد بالسيف. وقوله ليتفقهوا الضمير فيه للفرق الباقية بعد الطوائف النافرة من بينهم - ولينذروا قومهم - ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين - إذا رجعوا إليهم - بما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم، وعلى الأول الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه (يلونكم) يقربون منكم والقتال واجب مع
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»