الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٢٠
ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون ا موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعلمون.
____________________
لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجزه، اقرءوا إن شئتم - وكونوا مع الصادقين - فهل فيها من رخصة (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه علما بأنها أعز نفس عند الله وأكرمها عليه، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهول وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها ولا يقيموا لها وزنا، وتكون أخف شئ عليهم وأهونه فضلا عن أن يرثوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه، وهذا نهى بليغ مع تقبيح لأمرهم وتوبيخ لهم عليه وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية (ذلك) إشارة إلى ما دل عليه قوله - ما كان لهم أن يتخلفوا - من وجوب مشايعته كأنه قيل ذلك الوجوب (ب‍) سبب (أنهم لا يصيبهم) شئ من عطش ولا تعب ولا مجاعة في طريق الجهاد، ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم وأرجلهم، ولا يتصرفون في أرضهم تصرفا يغيظهم ويضيق صدورهم (ولا ينالون من عدو نيلا) ولا يرزأونهم شيئا بقتل أو أسر أو غنيمة أو هزيمة أو غير ذلك (إلا كتب لهم به عمل صالح) واستوجبوا الثواب ونيل الزلفى عند الله، وذلك مما يوجب المشايعة. ويجوز أن يراد بالوطء الإيقاع والإبادة لا الوطء بالإقدام والحوافر كقوله عليه الصلاة والسلام (آخر وطأة وطئها الله بوج) والموطئ إما مصدر كالمورد وإما مكان فإن كان مكانا فمعنى يغيظ الكفار بغيظهم وطؤه، والنيل أيضا يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا وأن يكون بمعنى المنيل ويقال نال منه إذا رزأه ونقصه وهو عام في كل ما يسوءهم وينكبهم ويلحق بهم ضرارا. وفيه دليل على أن من قصد خيرا كان سعيه فيه مشكورا من قيام وقعود ومشى وكلام وغير ذلك وكذلك الشر وبهذه الآية استشهد أصحاب أبي حنيفة أن المدد القادم بعد انقضاء الحرب يشارك الجيش في الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم وينكى فيهم، لقد أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لا بنى عامر وقد قدما بعد تقضى الحرب وأمد أبو بكر الصديق رضي الله عنه المهاجر بن أبي أمية وزياد بن أبي لبيد بعكرمة بن أبي جهل مع خمسمائة نفس فلحقوا بعد ما فتحوا فأسهم لهم. وعند الشافعي لا يشارك المدد الغانمين. وقرأ عبيد بن عمير ظماء بالمد يقال ظمئ ظماءة وظماء (ولا ينفقون نفقة صغيرة) ولو تمرة ولو علاقة سوط (ولا كبيرة) مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة (ولا يقطعون واديا) أي أرضا في ذهابهم ومجيئهم. والوادي كل منفرج بين جبال وآ كأم يكون منفذا للسيل، وهو في الأصل فاعل من ردى إذا سال، ومنه الودي، وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض، ويقولون:
لاتصل في وادى غيرك (إلا كتب لهم) ذلك من الإنفاق وقطع الوادي، ويجوز أن يرجع الضمير فيه إلى عمل صالح وقوله (ليجزيهم) متعلق بكتب: أي أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء. اللام لتأكيد النفي ومعناه: أن نفير
(٢٢٠)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»