الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣٧
لئن آتيتنا صالحا لنكونن ممن الشاكرين. فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون. أيشركون مالا يخلق شيئا وهم يخلقون. ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون. وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون.
____________________
الحقيق بأن يدعى ويلتجأ إليه فقالا (لئن آتيتنا) لئن وهبت لنا (صالحا) ولدا سويا قد صلح بدنه وبرئ، وقيل ولدا ذكرا لأن الذكورة من الصلاح والجودة والضمير في آتيتنا و (لنكونن) لهما ولكل من يتناسل من ذريهما (فلما آتاهما) ما طلباه من الولد الصالح السوى (جعلا له شركاء) أي جعل أولادهما له شركاء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك (فيما آتاهما) أي آتي أولادهما، وقد دل على ذلك قوله (فتعالى الله عما يشركون) حيث جمع الضمير وآدم وحواء بريئان من الشرك، ومعنى إشراكهم فيما آتاهم الله تسميهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناة وعبد شمس وما أشبه ذلك مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم. وجه آخر وهو أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم آل قصي، ألا ترى إلى قوله في قصة أم معبد:
فيا لقصي ما زوى الله عنكم * به من فخار لا يبارى وسؤدد ويراد هو الذي خلقكم من نفس قصي وجعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوى جعلا له شركاء فيما آتاهما حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار، وجعل الضمير في يشركون لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك، وهذا تفسير حسن لا إشكال فيه. وقرئ شركاء: أي ذوي شرك وهم الشركاء، أو أحدثا لله شركا في الولد. أجريت الأصنام مجرى أولى العلم في قوله (وهم يخلقون) بناء على اعتقادهم فيها وتسميهم إياها آلهة. والمعنى: أيشركون مالا يقدر على خلق شئ كما يخلق الله وهم يخلقون، لأن الله عز وجل خالقهم، أو لا يقدر على اختلاق شئ لأنه جماد وهم يخلقون، لأن عبدتهم يختلقونهم فهم أعجز ممن عبدتهم (وال يستطيعون لهم) لعبدتهم (نصرا ولا أنفسهم ينصرون) فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث، بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم (وإن تدعوهم) وإن تدعوا هذه الأصنام (إلى الهدى) أي إلى ما هو هدى ورشاد أو إلى أن يهدوكم. والمعنى: وإن تطلبوا منهم كما تطلبون من الله الخير والهدى (لا يتبعوكم) إلى مرادكم وطلبتكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله ويدل عليه قوله - فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين - (سواء عليكم أدعوتموهم) أم صمم عن دعائهم في أنه لا فلاح
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»