الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣٤
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها، قل إنما علمها عند الله
____________________
- عسى أن يكون قد اقترب أجلهم - كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت وما ينتظرون بعد وضوح الحق، وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا. قرئ ويذرهم بالياء والنون والرفع على الاستئناف ويذرهم بالياء والجزم عطفا على محل فلا هادي له كأنه قيل: من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم (يسئلونك) قيل إن قوما من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هي، وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أن الله تعالى قد استأثر بعلمها، وقيل السائلون قريش. والساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا، وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو على العكس لطولها، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق (أيان) بمعنى متى، وقيل اشتقاقه من أي فعلان منه لأن معناه:
أي وقت وأي فعل، من أويت إليه، لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه، قاله ابن جني وأبى أن يكون من أين لأنه زمان وأين مكان وقرأ السلمي إيان بكسر الهمزة (مرساها) إرساؤها أو وقت إرسائها: أي إثباتها وإقرارها وكل شئ ثقيل رسوه ثباته واستقراره، ومنه رسى الجبل وأرسى السفينة، والمرسى: الأنجر الذي ترسى به، ولا أثقل من الساعة بدليل قوله - ثقلت في السماوات والأرض - والمعنى: متى يرسيها الله (إنما علمها) أي علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به لم يخبر به أحدا من ملك مقرب ولا نبي مرسل يكاد يخفيها من نفسه ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية، كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك (لا يجليها لوقتها إلا هو) أي لا تزال خفية لا يظهر أمرها ولا ينكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة، لا يجليها بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها (ثقلت في السماوات والأرض) أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة، وبوده أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها، أو لأن كل شئ لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها (إلا بغتة) إلا فجأة على غفلة منكم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقوم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " (كأنك حفي عنها) كأنك عالم بها، وحقيقته كأنك بليغ في السؤال عنها، لأن من بالغ في المسألة عن الشئ والتنقير عنه استحكم علمه فيه ورصن، وهذا التركيب معناه المبالغة، ومنه إحفاء الشارب، واحتفاء البقل: استئصاله، وأحفى في المسألة إذا
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»