الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣٣
وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم إن كيدي متين. أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين. أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون. من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون.
____________________
واشتقاقهم اللات من الله والعزى من العزيز. لما قال - ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا - فأخبر أن كثيرا من الثقلين عاملون بأعمال أهل النار أتبعه قوله (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق) وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول إذا قرأها " هذه لكم، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها، ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق " وعنه صلى الله عليه وسلم " إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى عليه السلام " وعن الكلبي: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب، وقيل هم العلماء والدعاة إلى الدين. الاستدراج استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة، قال الأعشى:
فلو كنت في جب ثمانين قامة * ورقيت أسباب السماء بسلم ليستدرجنك القول حتى تهره * وتعلم أني عنكم غير مفحم ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه، وأدرج الكتاب طواه شيئا بعد شئ، ودرج القوم مات بعضهم في أثر بعض، ومعنى (سنستدرجهم) سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم (من حيث لا يعلمون) ما يراد بهم، وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع أنهماكهم في الغي، فكما جدد عليهم نعمة ازدادوا بطرا وجددوا معصية، فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم ظانين أن مواترة النعم أثرة من الله وتقريب وإنما هي خذلان منه وتبعيد، فهو استدراج الله تعالى، نعوذ بالله منه (وأملي لهم) عطف على سنستدرجهم وهو داخل في حكم السين (إن كيدي متين) سماه كيدا لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان (ما بصاحبهم) بمحمد صلى الله عليه وسلم (من جنة) من جنون وكانوا يقولون شاعر مجنون. وعن قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم علا الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس الله، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت إلى الصباح " (أو لم ينظروا) نظر استدلال (في ملكوت السماوات والأرض) فيما تدلان عليه من عظم الملك والملكوت الملك العظيم (وما خلق الله من شئ) وفيما خلق الله مما يقع عليهم اسم الشئ من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف (وأن عسى) أن مخففة من الثقيلة والأصل وأنه عسى على أن الضمير ضمير الشأن. والمعنى:
أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث عسى (أن يكون قد اقترب أجلهم) ولعلهم يموتون عما قريب فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق وما ينجيهم قبل مغافصة الأجل وحلول العقاب. ويجوز أن يراد باقتراب الأجل اقتراب الساعة ويكون من كان التي فيها ضمير الشأن. فإن قلت: بم يتعلق قوله (فبأي حديث بعده يؤمنون)؟ قلت: بقوله
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»