الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٣٩
ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين. فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك جزاء المحسنين. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم. يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم
____________________
وكان من أجله وبسببه، والثانية لتبين الموصول الذي هو ما عرفوا، وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم وبلغ منهم، فكيف إذا عرفوه كله وقرأوا القرآن وأحاطوا بالسنة. وقرئ ترى أعينهم على البناء للمفعول (ربنا آمنا) المراد به إنشاء الايمان والدخول فيه (فاكتبنا مع الشاهدين) مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة لتكونوا شهداء على الناس، وقالوا ذلك لانهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك (وما لنا لا نؤمن بالله) إنكار استبعاد لانتفاء الايمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله عليهم بصحبة الصالحين. وقيل لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك، أو أرادوا وما لنا لا نؤمن بالله وحده لانهم كانوا مثلثين وذلك ليس بإيمان الله، ومحل لا نؤمن النصب على الحال بمعنى غير مؤمنين كقولك مالك قائما والواو في (ونطمع) واو الحال. فإن قلت: ما العامل في الحال الأولى والثانية. قلت: العامل في الأولى ما في اللام من معنى الفعل كأنه قيل: أي شئ حصل لنا غير مؤمنين، وفي الثانية معنى هذا الفعل ولكن مقيدا بالحال الأولى لأنك لو أزلتها وقلت وما لنا ونطمع لم يكن كلاما، ويجوز أن يكون ونطمع حالا من لا نؤمن على أنهم أنكروا على نفوسهم أنهم لا يوحدون الله، ويطمعون مع ذلك أن يصحبوا الصالحين وأن يكون معطوفا على لا نؤمن على معنى: وما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصالحين، أو على معنى: وما لنا لا نجمع بينهما بالدخول في الاسلام لان الكافر ما ينبغي له أن يطمع في صحبة الصالحين. قرأ الحسن فآتاهم الله (بما قالوا) بما تكلموا به عن اعتقاد وإخلاص من قولك هذا قول فلان: أي اعتقاده وما يذهب إليه (طيبات ما أحل الله لكم) ما طاب ولذ من الحلال، ومعنى لا تحرموا: لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم، أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا. وروي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يوما لأصحابه، فبالغ وأشبع الكلام في الانذار، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض ويجبوا مذاكيرهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: إني لم أومر بذلك، إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم
(٦٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 634 635 636 637 638 639 640 641 642 643 644 ... » »»