الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٦٩
ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين. وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين. يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. بل الله مولاكم وهو خير الناصرين.
____________________
موقتا له أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر (ومن يرد ثواب الدنيا) تعريض بالذين شغلتهم الغنائم يوم أحد (نؤته منها) أي من ثوابها (وسنجزي) الجزاء المبهم الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شئ عن الجهاد، وقرئ يؤته وسيجزي بالياء فيهما. قرئ قاتل وقتل وقتل بالتشديد والفاعل ربيون أو ضمير النبي، و (معه ربيون) حال عنه قتل كائنا معه ربيون والقراءة بالتشديد تنصر الوجه الأول، وعن سعيد بن جبير رحمه الله ما سمعنا بنبي قتل في القتال والربيون الربانيون، وقرئ بالحركات الثلاث فالفتح على القياس والضم والكسر من تغييرات النسب. وقرئ فما وهنوا بكسر الهاء، والمعنى (فما وهنوا) عند قتل النبي (وما ضعفوا) عن الجهاد بعده (وما استكانوا) للعدو وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان (وما كان قولهم إلا) هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين هضما لها واستقصارا والدعاء بالاستغفار منها مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاء وطهارة وخضوع أقرب إلى الاستجابة (فآتاهم الله ثواب الدنيا) من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر. وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدمه وأنه هو المعتد به عنده - تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة - (إن تطيعوا الذين كفروا) قاله علي رضي الله عنه، نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم. وعن الحسن رضي الله عنه:
إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم لأنهم كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشبه في الدين ويقولون لو كان نبيا حقا لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم، وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوما له ويوما عليه.
وعن السدي إن تستكينوا لأبي سفيان وأصحابه وتستأمنونهم (يردوكم) إلى دينهم وقيل هو عام في جميع الكفار وإن على المؤمنين أن يجانبوهم ولا يطيعوهم في شئ ولا ينزلوا على حكمهم ولا على مشورتهم حتى لا يستجروهم إلى موافقتهم (بل الله مولاكم) أي ناصركم لا تحتاجون معه إلى نصرة أحد وولايته، وقرئ بالنصب على بل أطيعوا
(٤٦٩)
مفاتيح البحث: القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»